في مظاهرات حركة كفاية، التي انطلقت في عام 2004 وكانت نور الفجر الذي سطعت منه شمس ثورة 25 يناير الباهرة، كانت أقصى أمانينا أن يصل عدد المتظاهرين الى بضع مئات حتى نُسمع صوتنا لمن لا يسمع، وحتى لا يتكرر في كل مرة مشهد وقوف عشرات المتظاهرين في مواجهة حشود مُدججة من قوات الأمن المركزي وأمن الدولة وبلطجيته.. وفي كل مرة كنتُ أقول لمن يقف الى جانبي في المظاهرة سواء كانت على سلم نقابة الصحفيين، منبر الثورة، أو أمام دار القضاء العالي أو في أي مكان آخر، " فلتضرع معي الى الله لكي يُعز المظاهرة بأحد الكمالين"..كمال أبو عيطة وكمال خليل..اللذين كان مجرد ظهور أحدهما يبعث روحاً جديدة فينا، فنبادر بتسليمه قيادة المظاهرة على الفور ليصدح بأجمل وأروع الهتافات الثورية التي تبشر بالانتصار الحتمي لإرادة الشعب وتُغني للحرية والعدالة الإجتماعية.."مدد مدد مدد مدد ..شدي حيلك يا بلد".."مدد مدد مدد مدد ..الحرية بتتولد"..كان هذا ديدن الكمالين منذ عرفناهما شابين غضين في سبعينات القرن المنصرم.. ومع مولد "كفاية" وتعميدها على سلم نقابة الصحفيين، ظل الكمالان على عهدهما مؤذنين للثورة ومبشرين بالنصر..ولكن مصر الولادة دفعت بجيل جديد يحمل الراية ويواصل النضال ..ومن هؤلاء شاب أسمر طويل هاديء تظنه للوهلة الأولى خجولاً ومنطوياً، ولكنه عندما يُمسك زمام المظاهرة يتحول الى شخص آخر، وتتحول معه المظاهرة الى هدير يزلزل الشوارع ويهز أركان الطغيان ..تنتظم الهتافات القوية اللاذعة ويندفع حماس دافق في الأبدان والقلوب..إنها كلمة السر التي يُلقي بها مؤذنون جدد من شباب الثورة مثل الحسيني والصحفي الشاب محمود كامل، ومحمد عواد عضو حركة العدالة والحرية وكثيرون غيرهم.. وكعهد كل الثوار الاحرار المؤمنين بالحياة والعمل، لم يشغل النضال العام الشاب النبيل الحسيني ابو ضيف عن أداء مهمته كصحفي في جريدة "الفجر"..حمل آلة التصوير الخاصة به وذهب لتغطية مظاهرات قصر الاتحادية يوم الاربعاء..كانت جماهير مصر قد خرجت بالملايين في مسيرات ومظاهرات سلمية في اليوم السابق لتقول "لا للإعلان غير الدستوري وللاستفتاء على دستور طائفي باطل سلقته بليل لجنة غير شرعية"..مر يوم الثلاثاء بسلام ، واختار العشرات من بين مئات الآلاف الذين تظاهروا أمام القصر الرئاسي أن يعتصموا في بضع خيام ..وسارت الامور دون أن يعكر صفوها أي شيء ذي بال حتى كان ضحى اليوم التالي الاربعاء عندما أصدرت قيادات جماعة الإخوان وحزبها الأمر لميليشياتها بالزحف على قصر الاتحادية ل"أداء صلاة العصر وحماية الشرعية"!!..وهنا سالت انهار الدم إذ هاجمت هذه الميليشيات التي لاحظ الجميع أنها مدربة جيدا على الكر والفر، فضلاً عن أنها كانت مسلحة بكافة أنواع الاسلحة من السكاكين والسيوف وحتى البنادق الآلية مرورا بقنابل المولوتوف ، خيام المعتصمين ودمرتها و"أسرت" العديد من شباب الثورة وعرضتهم لتعذيب وحشي لم تعرفه زنازين أمن الدولة، والغريب أن ذلك حدث داخل القصر الرئاسي!!..ولوحظ أنه كان بصحبة هذه الجحافل التي تم شحنها في سيارات من العاصمة والأقاليم مرشدون كانوا مندسين بين الثوار من قبل ويعرفون جيدا النشطاء، وكانت مهمة هؤلاء المرشدين أن يسلطوا أضواء الليزر صوب النشطاء لكي تتولى الميليشيات أمرهم بعد ذلك..فعلوا ذلك مع الثائر المعروف أحمد دومة الذي تعرض لهجوم بسيف أو سكين نتج عنه جروح قطعية خطيرة في وجهه..وحدث أيضاً مع زميلنا الحسيني ابو ضيف الذي كان يحاول تصوير أحد أفراد الميليشيا وهو يقتل الثوار ببندقية آلية عندما ظهر له مسلحون صوبوا الى رأسه ورقبته الخرطوش عن قرب وتركوه غارقا في دمائه بعد أن خطفوا الكاميرا!!..وحتى كتابة هذه السطور كان الحسيني يرقد بين الحياة والموت ولا نملك إلا الدعاء له بالشفاء لان حالته بالغة الخطورة إذ أن الاطباء سبق أن أعلنوا موته سريرياً (إكلينيكياً)، ونعاه بعض أصدقائه وزملائه، ولكن شاء الله، جلت قدرته، أن يمنحنا بصيصا من الأمل سنظل نتعلق به ضارعين إليه أن يمد له في العمر ويعود صحفيا لامعا وثائرا نبيلا وقائدا للمظاهرات ومؤذنا للثورة..فقد افتقدناه كثيرا في مظاهرة أمس الأول التي انطلقت من النقابة الى التحرير للتنديد بالعدوان الهمجي الذي تعرض له مع غيره من الثوار ..وفي كل الاحوال سنظل نعتبر الحسيني شهيداً حياً بينناً لا تغيب عنا ملامحه المصرية الصعيدية الاصيلة لأن مثله لا يُنسى ولا يغيب.. Comment *