رزقت عائلة من العميان مولوداً، فتجمعوا عليه يفتشون في عينيه، ليتأكدوا ما إذا كان أعمى أم بصير، وانتهى الأمر بأن فقأوا عينيه البصيرتين! لعل هذه الحادثة تنطبق على الإخوان، محدثي السلطة. فإذا أضفنا إلى هذا ذلك الغرور الذي استبد بهم. ألمحنا بجزء من الصورة وليس بالصورة كلها. الأمر أعمق من ذلك بكثير، فالاستئثار والإقصاء اللذان اشتهر بهما "الإخوان"، إنما يضربان بجذورهما عميقاً في التاريخ المعاصر، فلم يُعرف عن الإخوان أنهم تحالفوا مع أي طرف؛ ذلك لأن الإخوان يتوهمون بأنهم يحتكرون الحقيقة وحدهم، فما حاجتهم للاستعانة بمن هم أقل منهم إلماماً بالحقيقة، ثم إن الإخوان يتجنبون إصدار برنامج سياسي لهم، حتى لا تحاسب القواعد قيادتها عند خروجها على ذاك البرنامج، فكيف لتلك القيادة أن تاتي بمن يحاسبها من خارج صفوفها؟!ثم حين تأتي لحظة جني المغانم، لماذا يشارك "الإخوان" شركاء آخرون؟! لقد آثروا الاستعانة بالفلول، دون المعارضة، حتى يتشرب الإخوان خبرة الفلول في الحكم، ويحول الإخوان دون مشاركة الفلول للمعارضة، فضلاً عن أن الإخوان اكتفوا من كل أهداف الثورة بإسقاط مبارك، مما جعلهم محافظين جدد، وليس ثورة مضادة، كما يحلو لبعض المعارضة أن تصف الإخوان! على أن نفور الإخوان من التحالف، لم يمنع من اللجوء إلى صيغة "الديكور"، في تسكين عناصر غير إخوانية في مواقع غير مؤثرة أصلاً! ناهيك عن اعتماد الرئيس صيغة لقاء رموز المعارضة، لتنفيسهم! إلى ذلك ثمة الارتجال في إصدار القرارات، والتورط في الرسالة الودية الموجهة من د.مرسي إلى رئيس دولة العدو الصهيوني، شيمون بيريز! إلى قمع أهالي سيناء، بدل إعمار سيناء، وتنميتها، وتقديم الخدمات إلى أهلها، بعد طول حرمان. أما القمع فيزيد الأرض استعداداً لتوليد المزيد من الحركات التكفيرية. نعود إلى المعارضة، التي تفاجئنا "الإخوان" بانتقاء أحد الأطراف المعارضة، لتباغتها بالهجوم، على غرار ما فعل الرمز الإخواني المعروف، عصام العريان، حين استيقظ ذات صباح، وشن هجوماً بدون مناسبة على اليساريين، مُتهِماً إياهم بتلقي مساعدات من الخارج، وبالتعالي، ومعاداة الدين. وحين تصدى لهم يساريون، تراجع في اليوم التالي، مشيراً إلى أنه لا يقصد إلا واحداً من المحسوبين على اليسار! وربما أراد العريان أن يقدم المزيد من علامات الطمأنة للأمريكان بهذا الهجوم غير المبرر! لقد أفرط "الإخوان" في طمأنة الأمريكان، ما يُخشى من وصول الطمأنة إلى حد المهاودة، في الوقت الذي لم يعمد "الإخوان" إلى طمأنة المعارضة عُشر ما تفعله مع واشنطن! المعارضة لكن الأخطاء ليست من نصيب "الإخوان" وحدها، بل تشاركها المعارضة، مع فرق في الدرجة! لعل أشد أخطاء المعارضة تتمثل في إغفالها ضرورة تأسيس جبهة حقيقية، تستند إلى برنامج سليم وواقعي، تعتمد حياة داخلية وديمقراطية حقيقية، وتتجنب التحرك في مجال ردود الفعل، منتقلة إلى الفعل. لذا لم يكن غريباً أن تدفع بعض المعارضة بالتناقضات الثانوية والهامشية إلى مستوى التناقض الرئيسي، وقد وصل الأمر إلى حد رفع شعار "إسقاط النظام"، وتشبيه الرئيس مرسي بآرثر بلفور! بل إن المعارضة تدان، مثل "الإخوان، بمسح الحدود مع "الفلول"! فبدت المعارضة كالمستجير من الرمضاء بالنار، والمتورط في البرجماتية المبتذلة. كما تكتفي المعارضة بما يسمى "المليونيات"، دون غيرها من أشكال الكفاح، دون الانزلاق إلى الكفاح المسلح، ما دام شعار إسقاط النظام قد تم رفعه. وبعد، فلا يزال في الوقت متسع لتصحيح الأخطاء، وهجر الارتجال، وردات الفعل، وإيلاء كل الاهتمام للشعب والوطن. ويكفي أن الطرفين -الحكم والمعارضة- يقعان في الخطأ نفسه بصدد الحوار بينهما، فبينما تصر المعارضة على أن لا حوار قبل تراجع الرئيس عن قراراته، نجد الرئيس يدعو للحوار ويصر على عدم التراجع. ولله في خلقه شؤون! Comment *