برغم الضيق الإسرائيلي الأمريكي من زيارة أمير قطر إلى غزة المحاصرة إلا أنها تصب في الأخير لصالح المشروع الأمريكي ي المنطقة العربية، ولولا ذلك لما كان للزيارة أن تتم أصلاً. ليس في هذا الكلام تجنياً أو مبالغة، حتى وإن عبرت بعض الأقلام عن شكرها للأمير القطري الذي "كسر الحصار" عن غزة التي جلبت له على صعيد الداخل مسيرة تضامنية طافت شوارع الدوحة تحت عنوان "شكراً بو مشعل". وليس خافياً حاجة الأمير القطري إلى مثل هذا التضامن في ظل مخاوف عدوى الربيع العربي الذي وصل إلى البحرين و الكويت، ويكاد أن يلج دولة قطر بعد أن رفع عدد من مثقفيها مطالب الإصلاح السياسي والاقتصادي في دولة تعيش اختلالاً ديموجرافيا في ظل طفرة نفطية وثراء يستغله الأمير القطري وحاشيته. في جانب آخر خصص الأمير القطري 400 مليون دولار لإعادة إعمار ما دمره العدوان الصهيوني في غزة 2008، ليحظى صنيعه بشكر العرب والفلسطينيين، ويرفع أسهم الأمير وشعبيته في مزاد الربيع العربي الذي لعبت قطر وقناة الجزيرة دوراً بارزاً في تحريك وتوجيه مساره الذي أفضى إلى تمكين "الإخوان المسلمين" من السلطة في مصر وتونس أو المشاركة فيها في اليمن وليبيا، بالإضافة إلى الدعم القطري للمسلحين المعارضين لنظام الأسد في سوريا. من قطر أيضاً كان للداعية الإسلامي يوسف القرضاوي دوراً مسانداً للحراك الشعبي العربي، وكاد القرضاوي أن يكون رمزاً شاملاً، لولا أنه سقط في فخ "الطائفية" عندما توقف عن تأييد ثورة الشعب البحريني، ثم أفضى به التعصب الأعمى إلى دعوة المسلمين للدعاء على إيران الإسلامية في أيام وأماكن الحج بمكة المكرمة! لقد انكشفت البراجماتية الإخوانية حين اضطروا – وقد غدوا في السلطة – إلى تبني خطاب مناقض لما كانوا يطرحونه قبل الثورة الشعبية العربية، وبالأخص حيال الموقف من القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي ومن الولاياتالمتحدةالأمريكية الداعمة للكيان الصهيوني على حساب الحقوق العربية. وقد بادلت واشنطن الإخوان البراجماتية ذاتها حينما رحبت بوصول الإسلاميين إلى السلطة متخلية عن خطاب عدائي طالما استخدمته للحد من مطالب الشعوب العربية في الحرية والديمقراطية و الكرامة. ومن الواضح أن التفاهم الإخواني/ الأمريكي يضمن لواشنطن مصالحها في المنطقة مقابل وصول الجماعة إلى السلطة، بعد أن سقطت ورقة الأنظمة العميلة والفاسدة شعبياً، واستناداً إلى هذا التفاهم، فإن أمريكا التي ساندت الربيع العربي تغدو صديقة للشعوب التي خرجت تبحث عن الحرية والديمقراطية، و إذا تمادى الحراك الشعبي لينشد التحرر من الاستعمار والهيمنة الغربية، فإن براجماتية إخوان السلطة كفيلة بردع هذه الرغبة وتحت مبررات واهية. في مصر مثلاً كانت رسالة الرئيس مرسي لرئيس الكيان الصهيوني بما تضمنته من لغة دافئة خير تعبير عن براجماتية الأخوان، وكان لافتا أن زيارة أمير قطر جاءت عقب التداول الإعلامي للرسالة الفضيحة. وبهدف التغطية على خطيئة مرسي كان لا بد للأمير القطري من الإشادة برئيس مصر وبثورة شعبها، فقال بالنص أن زيارته والوفد المرافق له الى قطاع غزة، ما كانت لتتم لولا نجاح الثورة المصرية المجيدة، والدعم الذي قدمه الرئيس المصري محمد مرسي لتذليل كل العقبات في طريقها! بالموازاة نقلت قناة الجزيرة عن مصادرها أن الرئيس المصري محمد مرسي أوفد وزيراً مصريا لمرافقة الشيخ حمد تعبيراً عن التأييد المصري لهذه الزيارة. في غزة وصف السيد اسماعيل هنية هذه الزيارة بالتاريخية، وعلق كثير من الكتاب فقالوا: من يقول عن أمير قطر أنه عميل، فنقول اذا كان العميل يسوي كل هذا لغزة، فأين الذين ما صنعوا لفلسطين غير الكلام؟! ستظل القضية الفلسطينية بوصلة الربيع العربي، وقد نجح أمير قطر في جذب قطاع عريض من الجمهور العربي، بينما أراد الإخوان المسلمين من هذه الزيارة تخفيف الضغط عليهم بعد أن كثر الحديث عن الأموال التي يتلقونها من قطر في مختلف الدول العربية، فهاهو الأمير القطري يكسر حصار غزة، وهذا يكفي لشرعنة علاقتهم بالدوحةوواشنطن وربما تل أبيب. وبالنسبة لأمريكا فمرحباً بالإخوان في السلطة، ما دام الأمير القطري مثالهم الذي يحتذى! Comment *