جددت زيارة الرئيس محمد مرسى الخاطفة للعاصمة الإيرانية، طهران، للمشاركة فى فعاليات قمة دول مجموعة عدم الانحياز، لتسليم رئاستها لإيران، فى دورتها السادسة عشر، طرح السؤال المثير للاستغراب: متى تعود العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين، خاصة بعد ثورة 25 يناير؟. وبصرف النظر عن الجدل الذى تولد عن كلمته أمام القمة، وتقبل المؤيدين لها للبعد الطائفى لها، كونها هجوم سنى فى معقل الشيعة، ودعمها لما يسمى بالثورة السورية، وهو ما تطالب به الولاياتالمتحدة وما يسمى بدول " الاعتدال " العربى ، فإن هذه الزيارة " البروتوكولية " تلقى الضوء حول مستقبل العلاقات الثنائية، فى لحظة تاريخية مغايرة، وفيما ينتظر المنطقة من تطورات وتداعيات. وبمقدور المتخصص والمتأمل للمسار العام لتطور علاقات البلدين الخلوص إلى أن هذه العلاقات تتسم بسمة التوتر فى كثير من مراحلها، عطفاً على كونها تنطوى على كثير من المفارقات الصارخة. وتأصيل ذلك، بقدر كبير من الإيجاز، أن مصر هى الدولة العربية والإسلامية الوحيدة التى ليست لها علاقات دبلوماسية كاملة وطبيعية منذ ثلاثة عقود ونيف، رغم خصوصية العلاقات، وبالمعايير الدبلوماسية، كونها تمثل واحدة من أكثر العلاقات الثنائية قدماً فى التاريخ الحديث، حيث يعود التمثيل الدبلوماسى بين البلدين لعام 1856، وهو تاريخ افتتاح أول مكتب لتمثيل المصالح الإيرانية فى القاهرة، بل وصلت هذه العلاقات إلى مرحلة التطبيع الكامل بتوقيع البلدين " معاهدة مودة وصداقة " عام 1930، ولعب تماثل وضعية النظام الملكى فى مصر دوراً فى تحسين هذه العلاقات، بدرجة ملحوظة. غير أنه مع قيام ثورة 1952، واختلاف طبيعة النظام السياسى وتوجهاته، سادت حالة "صراعية " بين البلدين، عملت على توتير العلاقات، لتعود مجدداً فى عام 1970، مع توليه السادات سدة الحكم، وتشهد حالة من التحسن، قبل أن يعتريها التوتر مرة أخرى، على خلفية زيارته للكنيست، وتوقيع اتفاقية السلام، وقبول طهران طلب الزعيم الراحل عرفات قطع العلاقات بين البلدين . ومما لاشك فيه أن البعد الإقليمى لعب دوراً هاماً فى تأزيم العلاقات الثنائية بين البلدين، كما أن تبعية نظام مبارك للولايات المتحدة الحليف الاستراتيجى للكيان الصهيونى، والمصالح الصهيونية، عرقلت دوماً أى مسعى لعودة العلاقات، و إجهاض ما قد يلوح فى الأفق من بوادر تؤشر على بدء تحسن العلاقات، عبر الرسائل المتبادلة، أو اللقاءات أو الزيارات فى مناسبات شتى، حيث شكلت الولاياتالمتحدة والكيان الصهيونى ما يمكن تسميته " الآيادى الخفية " التى تقف خلف أى تطور إيجابى فى العلاقات . ومن نافلة القول، أن استمرارية هذه الوضعية ضد حقائق المنطق، وقدم العلاقات ، وما يمكن أن يجمع البلدين من روابط الدين المشترك ووشائج قوية، والمنافع والمصالح المتبادلة فى ميادين شتى، ولما تمثله مصر وإيران من وزن وثقل استراتيجى فى المنطقة. وبالتداعى المنطقى، بات من الضرورى إعادة تصويب مسار العلاقات، إذا ما توفرت الرغبة الجادة والإرادة السياسية القوية، وحل كافة المسببات فى العلاقات الثنائية، وهى ليست بمستعصية عن الحل. وفى تقديرى أن عودة العلاقات الدبلوماسية على مستوى السفراء ليست غاية فى حد ذاتها، وإنما تصويباً لما هو قائم ، أسوة بعلاقات إيران مع الإمارات التى لم يعرقل حتى احتلال إيران لجزرها الثلاث من نمو العلاقات الثنائية بدرجة ملحوظة، وبالمثل، لم يقف توقيع الأردن لاتفاقية " وادى عربة " والسلام بين البلدين حجر عثرة لمسار تقدم العلاقات. إن حقيقة كون إيران لاعباً هاماً فى كثير من ملفات المنطقة، خاصة العراق وسوريا ولبنان وفلسطين وغيرها، تحتم على مصر، وهى تحاول استعادة مكانتها وحضورها المؤثر، ودورها الاقليمى الفاعل، بعد تغييب متعمد طويل، يحتم قدراً من التعاون وتنسيق المواقف مع إيران. ومن قبيل الشطط التحليلى فى اللحظة الراهنة، الحديث عن تحالف استرتيجى بين البلدين، ولكن البحث عن نقاط التقاء لدرء المخاطر ومواجهتها، لاسيما بعد القمة الإسلامية فى جدة، والحديث عن " لجنة رباعية "، ليست كما كانت من قبل، ولكنها تضم مصر، والسعودية، وإيران، وتركيا، خاصة فى الشأن الفلسطينى، والتوغل الصهيونى فى تهويد البشر والشجر والحجر، عبر المزيد من الاستيطان، والتهام الأرض الفلسطينية بما لا يبقى شيئاً لوهم المفاوضات السياسية. ومما له صلة، فليس بمقدور مصر أن تقف مكتوفة وقليلة الحيلة إزاء ما يدور فى سوريا من تداعيات، وهى التى تمثل خط الدفاع الهام، تاريخياً، وبوابة تهديد الأمن القومى المصرى. وفى السياق ذاته، فمصر، معنية، حماية ودورها إزاء أمن الخليج والمنطقة بما يمكن أن يشكله المشروع النووى الإيرانى، وحرص دول المنطقة أن يكون لإغراض سلمية وخاضع للرقابة الدولية، وتجنيب المنطقة بأسرها من مخاطر نشوب أية مواجهة عسكرية بين إيران وإسرائيل، سواء بمشاركة أمريكية، أم بتوافق مشترك . بعبارة خاتمة، لم يعد بالإمكان استمرارية الحالة الصراعية بين بلدين هامين فى المنطقة، مصر وإيران، إزاء مستقبل هذه المنطقة المفتوح على شتى الاحتمالات، وليس من سبيل سوى علاقات طبيعية تتأسس على توازن المصالح وتبادل المنافع، ومرشحة لارتياد فضاءات رحبة من تنمية العلاقات، بعيداً عن أوهام خطر التشيع، الذى تتوافر آليات عدة لمحاصرته، ونبرة الصراع المذهبى الدينى، وما يشكله الإنجرار له من مخاطر جمة على وحدة السلامة الإقليمية لدول المنطقة. وبمقدور " القوة الناعمة " لمصر والدول العربية مجابهة الكثير من التحديات والمخاطر الإيرانية المحتملة دون التصعيد وشبح المواجهات المسلحة. دكتوراه فى العلوم السياسية Comment *