سيحفظ التاريخ هذه اللقطة الملهمة عندما تحدث الجنرال زين العابدين بن على (75 عاما منها 23 عاما في السلطة) بلهجة متوسل الى الشعب التونسي المنتفض من أجل الحرية و الخبز والكرامة في كلمات أظنها الأخيرة: الآن .. أنا فهمتكم .. أنا فهمتكم لا رئاسة مدى الحياة .. لا رئاسة مدى الحياة ثمة الهام خاص في هذا المشهد لدي المصريين الذين يذكرون جنرالهم ” حسني مبارك ” ( 82 عاما منها 30 عاما في السلطة ) وهو يتوعد بلهجة لامبالية بالبقاء الى آخر نبضة ونفس. لا يجمع بين الجنرالين مجرد الخلفية العسكرية و الولع بالشعر الأسود الفاحم من دون شعرة بيضاء واحدة ، بفعل الصباغة رغم تقدم العمر ، وخلافا لصور في سنوات مضت . بل يجمع بينهما الكثير . و خلال الأيام القليلة الماضية إنشغلت بإعادة قراءة ترجمة كتاب الصحفيين الفرنسيين ” نيكولا بو ” و جان بيير توكوا” المعنون ب ” صديقنا الجنرال زين العابدين بن على ” . ومع كل صفحة كانت تنتابني رغبة قوية ، فأبحث عبثا عن سيرة مماثلة كتبها أمريكيون أحرار عن ” صديقهم الجنرال حسني مبارك ” . وحتى تظهر مثل هذه السيرة ، فإنه لدينا قدر لا بأس به من المعلومات بما يسمح بالمقارنه بين الجنرالين مقارنه أعمق بالطبع مما تفصح عنه الكلمات الداله السابقة و صبغة الشعر داكن السواد . ولفتح شهية القارئ سأمر سريعا على عناوين هذا التشابه من قبيل : النشأة الاجتماعية و سنوات الطفولة و الدراسة الغامضة وفقر التكوين الثقافي والسياسي مع فجوات في السيرة الذاتيه الرسمية .. والمحطات الملتبسه من المؤسسة العسكرية الى الصعود في سلم السلطة .. ولعب دور ” رجل الظل ” في السنوات الأخيرة لدكتاتور سابق ..وتسلم الرئاسة في سياق أزمة حكم وتهديد الاصوليين الاسلاميين وقلق القوى الغربية الخارجية ثم مرحلة الإنفتاح والوعد بالديموقراطية ونظافة اليد في السنوات الأولى .. و التعهد بالا مجال لرئاسة مدى الحياة أو بالبقاء فترة واحدة ثم النكوص .. ودولة الحزب الحاكم والجمع بين رئاسة الحزب والدولة والقوات المسلحة وغيرها من الرئاسات والسلطات والصلاحيات .. والسجل الأسود في الإعتقال والتعذيب وانتهاك حقوق الانسان .. وقتل السياسة واصطناع الأحزاب الديكورية ” المعارضة ” ..وشراء المثقفين وافسادهم وتدجينهم .. وإدعاء رعاية الحريات بما في ذلك حرية الصحافة على خلاف الواقع .. وبناء صورة زائفة للزعيم الأوحد بواسطة اتباع طيعين منتقين.. والترويج ل ” معجزة اقتصادية ” و معدلات نمو مرتفعة ولسوق واعدة للاستثمار والسياحة فيما تتزايد معاناة الفقراء والطبقة الوسطى و تستفحل البطالة .. و االتحالف مع طبقة من رجال الأعمال تغذيها ليبراليه اقتصادية سوقيه منفلته لا تواكبها ليبراليه سياسية ..و تشكل بطانه نهمة متوحشة حول الرئيس وقد تحولت الى مافيا .. و نمو نظام محكم للعمولات والرشاوى .. و النفوذ الواسع للزوجه و الاسرة في السياسة والإقتصاد .. وتسويق نظام قمعي فاسد الى الغرب بوصفه حائط صد للحيوله دون وصول الاسلاميين للسلطة ولو بالانتخابات المزورة و العدوان على الدستور والقوانين وانتهاك الحريات لعموم المواطنين .. و تضخم جهاز أمني قمعي يفوق في عدده وفي الامتيازات الممنوحة لقادته الجيش نفسه .. و نسج العلاقات علنيه وخفية مع العدو الاسرائيلي و التنسيق معه و أداء خدمات لصالحه. وأظن ان إعادة قراءة كتاب ” صديقنا الجنرال زين العابدين ” بعيون مصرية الآن تفتح آفاقا لنقاش خلاق حول شبيهين : مبارك وزين العابدين ( الحاكم الفرد و العائلة والحاشية و الأتباع و الحزب والطبقة ) . وإن كان ذلك لاينفى وجود بعض الفروق الذاتيه والعامة في الحالتين المصرية والتونسية . والسيرة المزدوجة التي سنبدأ في روايتها مستلهمين كتاب ” بو ” و ” توكوا” مع انها تكشف إنطلاق رحلة الجنرالين الى السلطة اعتبارا من عقد السبعينيات ، لكنها تتضمن مفارقات لافته . وعلى سبيل المثال فقد لاحظنا أن الجنرالين تبادلا أدوار المعلم و التلميذ . فتشبث “زين العابدين ” برئاسة الحزب الحاكم ( الحزب الواحد فعليا في كل من مصر وتونس ) مع رئاسة الدولة رغم المطالبات الإصلاحية في بداية عهده بالفصل بين الإثنين . وقد سار في ذلك تماما على نهج الجنرال مبارك الذي تولى السلطة في مصر قبله بنحو ست سنوات . لكن في وقت لاحق كان الجنرال مبارك يخطو على طريق سبقه اليه شبيهه الجنرال بن على ، حين قرر أخيرا وفي عام 2005 إجراء انتخابات رئاسية مقيدة ومزورة بدلا من الاستفتاءات الرئاسية المزوره . وهنا كان الجنرال زين العابدين هو المعلم لأنه في عام 1999 كان قد سبق و بشروط تعجيزية رائدة قلدتها في الكثير من التفاصيل التجربة المصرية البائسة في تعديل المادة 76 . وحتى في النتائج فقد أدمن الجنرالان نسبا تقارب التسعة و التسعين في المائة في مرحلة الاستفتاءات الأحادية المزورة . ثم انتقلا مع مرحلة الانتخابات المقيدة المزورة بعدما ضمنا انتقاء المرشحين المنافسين واحتكارالإعلام الى اختلاق نسب هائلة لكنها أقل مما سبق. فأختار جنرال تونس لنفسه نسبة نحو 9 8في المائة في انتخابات 2009 .أما جنرال مصر فقد افتتح لعبته الجديدة باختيار نسبة 88,6 في المائة في 2005.(!) الجنرالان شبيهان ، وإن كان هناك ثمة اختلافات من قبيل ان زين العابدين تورط بشكل مباشر قبل تسلمه سلطة الرئاسة في قمع احتجاجات الخبز في تونس 1978، وبالرصاص الحي . فيما لم يتورط جنرال مصر بصورة مباشرة مماثلة ، وقد جاء بالأصل الى موقعه استنادا الى شرعية حرب أكتوبر 1973 الوطنية، وإن كان هناك الى جوار سلفه السادات في موقع نائب الرئيس حين قمع بالرصاص الحي أيضا الانتفاضة الشعبية في مصر يناير 1977 أي قبل الانتفاضة التونسيه بعام واحد . إلا ان الجنرال مبارك سيعود لاحقا وبنفسه الى استخدام الرصاص الحي لقمع انتفاضة مدينة المحلة في ابريل 2008. مقارنه الشبيهين أظنها بحق مغرية و ملهمة .. ولنواصل في الحلقة الثانية . مواضيع ذات صلة 1. كارم يحيى : “حزب كفرة وخونه” 2. كارم يحيى : يحيا الهلال مع الجمل 3. كارم يحيى : من ملف ” العلاقة الحرام ” صحف قومية أم نشرات حزبية 4. كارم يحيى : مجزرة الإسكندرية والمسألة المصرية 5. كارم يحيى: “جاسوس في الحزب” رواية تخيلية سياسية