بعض الأحداث المصرية في أعقاب ثورة 25 يناير 2011، أحداث حزينة سوداء، ومن ذراها مجزرة استاد بورسعيد (بعد ثلاثية الدم والنار والعار: ماسبيرو محمد محمود مجلس الوزراء). لكن الأحمر: الحب، والثورة، ودم الشهيد في سبيل الحرية. والأبيض والأخضر: الآمال بلا حدود لا تزال، واليقين في النصر، وفي المستقبل الزاهر. وهذا هو علم مصر. (العلم الذي يريد البعض لغرض ومرض أو لجهالة وضحالة تغييره اليوم!!). هذا هو علم الثورة. علم ثورتي يوليو، ويناير. وهما الثورتان اللتان يلخص جوهرهما وروحهما، أنبل وأجمل ما في مصر، وعبقرية المكان فيها وعبقرية الإنسان. وأنه من هنا سوف يبدأ المستقبل، من هذا النبل والحق والخير والجمال في مصر. ومن روح الثورتين، "يوليو"، و"يناير". "يوليو" التي قادتها طلائع الشباب الثائر، جمال عبد الناصر ورفاقه الذين كانوا جزءاً أصيلاً من الحركة الوطنية المصرية، قبل أن يكونوا الضباط الأحرار المفجرين لثورة على فساد مؤسسة الجيش وجنرالاتها، وفساد واستبداد نظام (الاحتلال السراي طبقة النصف في المائة)، ثم قاد الشعب العامل الثائر ملحمة البناء العظيم مع قائده التاريخي الاستثنائي النبيل. وهكذا عكس ما يردده الموتورون أو المثرثرون، الكارهون لهذه الثورة، من كلمات جوفاء سوداء فإن "يوليو" تظل "ثورة شعب" وإن لم تبدأ "ثورة شعبية"، بدأت "ثورة طلائع من قلب الشعب" تنادي وتسعى، فيلبي الشعب نداء الثورة ويؤمن بالدعوة والرسالة الثورية، كما تظل "يوليو" ثورة حرية الوطن، وأيضاً حرية المواطن بامتياز، لاختيار الشعب قيادته، بوضوح وجلاء لا مزيد عليهما، سواء عند الانتصارات وهي كثيرة، أو حتى عند الهزيمة في يونيو رغم أنها مريرة!!.. وإن لم تكن ديمقراطية على طريق النهج الليبرالي، ولا هي ادعت ذلك. والمفارقة أن خصومها الأساسيين في الداخل (في كل الذرى وبينها ذروة مواجهة مارس 1954)، وفي المقدمة (فصائل شيوعيين وجماعة الإخوان المسلمين)، لم يكونوا بدورهم "ليبراليين" يوماً!!.. ومع ذلك يعيبون ويعيب أحفادهم على شباب الثورة الذين فجروها بقيادة جمال عبد الناصر "أنهم لم يكونوا ليبراليين"!... والحقيقة أنه كان هدف الفريقين في 1954 أن تتاح لهم عن طريق (الليبرالية المؤقتة إن جاز التعبير) أحزاب يصلون عبرها إلى السلطة، ليقيموا ويديموا حكم "ديكتاتورية البروليتاريا" وحزبها عند فريق من اليسار الشيوعي من غير أن يعرفوا أو يعترفوا بشئ اسمه "تداول السلطة"!... أو حكم "الحاكمية لله" عند فريق من اليمين الديني هو بالطبع الأعلم والأدرى بتلك الحاكمية، بل وبالحكمة الإلهية.. وإلى ما شاء الله!!. وعلى الأقل فإن ثورة يوليو، في عرف ثوارها، كانت بخلاف هؤلاء وأولئك، ستعرف انتخابات وليست "سلطة أبدية"، ومع أنها كانت "ثورة" (والثورات بطبيعتها استثناء ولها شرعيتها الخاصة)، بل وظلت في مرحلة "تحول" في مجمل وقتها، كما أنها كانت تبحث عن صيغة جديدة للديمقراطية، ولم تر ابتداء أن للديمقراطية بالضرورة صيغة وحيدة هي الليبرالية، مثلها في ذلك كغيرها من ثورات وحركات تحرر في كل بلدان وأمم العالم التي تحررت وخرجت من حقبة الاستعمار في أواسط القرن العشرين..!. أما "يناير" فهي الثورة التي ولدت شعبية، كأكمل وأجمل ما تكون ولادة الثورات الشعبية!. فجرت شرارتها طلائع من شباب الشعب الثائر، هي ثورة "المواطنين الأحرار"، لكن كل ثورة، مثل كل وطن وكل أمة، تظل بحاجة إلى قيادة. وسوف تجد ثورة 25 يناير الشعبية قيادة. ونرجو ألا يتأخر ذلك، لأن هذا التأخر، جزء من مخاطر، تحيق بالثورة خاصة في مواجهة ثورة مضادة شرسة متربصة، تحارب بجنون معركتها الأخيرة. في كل حال، سوف تبدأ مصر، متصدرة أمتها العربية وثورات ربيعها، الرحلة إلى المستقبل، مستلهمة ومنطلقة من روح ومبادئ الثورتين "يوليو" و"يناير" وهي مبادئ واحدة. روح ومبادئ الثورتين المتكاملتين. على الرغم من "الانقطاع" بينهما بانقلاب السادات "يهوذا يوليو"، وتابعه مبارك "رأس عصابة اللصوص". وجمهوريتهما الثانية، المضادة لثورة يوليو (1974 2011)، ولكل الثورات والقيم النبيلة والمثل العليا!. وهو انقطاع بين الثورتين طويل ثقيل دام وجثم، لأكثر من ثلاثة عقود ونصف العقد. سوف يبدأ المستقبل، و(الجمهورية الثالثة). وسوف نتدارك ونتم "التحول العظيم" الذي توقف بتوقف ثورة يوليو ابتداء من 1974 المشئوم وانتقالها من سلطة الدولة إلى الشارع. ولندخل بعد "التحول العظيم" إلى مرحلة انجاز حلم ومشروع "الانطلاق العظيم". ولو كره جميع أعداء الثورتين... و"علم الثورتين!. ولو كره الذين يدرجهم الوطن وتاريخه وضميره على القوائم السوداء لأسماء تعادي الثورتين!. فإن لدينا "لثورة يوليو" أيضاً مثل "ثورة يناير".. قوائم سوداء تفضح أسماء أعدائها!.. ولا نقول منتقديها. فلنا جميعاً، أن نختلف أو يكون لدينا على تجربة ثورة يوليو "ملاحظات نقد"... فهي حق وواجب إزاء أية تجربة إنسانية. لكن نقد الثورات الإنسانية غير الحقد عليها، وغير النقض، أو النقمة أو الانتقام!!. ونحن أيضاً مثل غيرنا لنا ملاحظات نقد على "يوليو".. وسوف يكون لنا جميعاً ملاحظات نقد على "يناير". إن "أخلص" أبناء الثورات هم "أحرص" الناس على نقدها الجاد وتقييمها الموضوعي، لأن النقد والنقد الذاتي هو طريق لا بديل عنه للتطوير والتجاوز والتقدم. ولعل أحدث مقولات أو تقولات خصوم وأعداء ثورة يوليو: الترديد الساذج الفج حول "الستين سنة الأخيرة"!.. واعتبارها كلها "الجمهورية الأولى" وأننا بصدد "الجمهورية الثانية"!. هذه كلها فجاجة وإسفاف وابتذال سياسي... وموقف غير موضوعي بل وغير أخلاقي، ومع الأسف فإن البعض وضمنه شباب صغير ينساق وراء تلك المغالطات، بحسن نية ومن غير تدبر أو تأمل.. ولذلك فهم يستحقون أكثر من مناقشة وحوار. Comment *