عندما قال شكسبير عبارته الجميلة والمشهورة: "ما أهمية الاسم؟، إن الوردة ستظل رائحتها ذكية أياً كان الاسم الذي نطلقه عليها"، لم يكن يتصور ما يمكن أن تحدثه بعض وسائل الإعلام من تخريب لهذه القاعدة، فما أسهل على هذه الوسائل أن تجعل الشئ الجميل كريهاً، والكريه جميلاً بمجرد تغيير اسمه، بل أن هذا هو بالضبط ما فعلته بنفسها، عندما أسمت نفسها "وسائل إعلام" وهي في معظم الأحوال لا تنشر إعلاماً يزيد من معرفتنا بالأمور، بقدر ما تنشر إعلاما يضللنا أو يساهم في تشويش الحقيقة. ننظر مثلاً إلى تسمية ما بين بعض حكومات الغرب والمشرق العربي بأنه "صراع حضارات"، في حين أن الأنسب هو تسمية العلاقة باسم غير "الصراع"، وتسمية طرفي العلاقة باسم غير "الحضارات"، فالذي بين الشعوب العربية والإسلامية وبين بعض حكومات الغرب ليس في الحقيقة "صراعاً" بل هو "اعتداء"، وتسمية الاعتداء بأنه صراع يوحي بعلاقة بين ندين، بينما العلاقة هنا ليست بين أنداد، وكلمة صراع لا توحي بوجود طرف يعتدي على آخر، بل توحي بمجرد خلاف دون تحديد لمنشئه. فالعلاقة بين الذئب والحمل في القصة المشهورة ليست صراعاً، لأن الطرفين غير متساويين، بل هناك اعتداء من طرف على آخر، وهذا الاعتداء الموجه إلينا لا يمكن حله بالحوار، فما جدوى هذا الحوار الذي يمكن أن يقوم بين الذئب والحمل. كذلك الحال بالنسبة لما يجري على الأرض السورية، حيث لم تعد المشكلة هي تنحي الرئيس الأسد أو عدمه، فالأحداث والتطورات تجاوزت هذه المسألة، ونحن اليوم أمام تحد من نوع مختلف، أمام منطقة تتغير، ويعاد رسم خريطتها من جديد، لتصحح خرائط سايكس بيكو. هذه الحقيقة التي يغفلها الإعلام، في تغطيته للأحداث في سوريا، كما يغفل أداة تنفيذ هذه الجريمة وهي ما يسمى ب (الجيش السوري الحر)، وما يرتكبه هذا الجيش من انتهاكات تصل في بعض الحالات إلى جرائم حرب، لدرجة أن الكاتب البريطانى بيتر بيمونت، فى مقاله بصحيفة الجارديان البريطانية، أمس الجمعة شدد على ضرورة التركيز من قبل المجتمع الدولى على الانتهاكات الإنسانية التى ترتكبها قوات المعارضة السورية، مطالباً الولاياتالمتحدة وبريطانيا بالضغط على المتمردين السوريين، من خلال توضيح أن المزيد من الانتهاكات سوف تهدد الدعم الغربى لهم، لافتاً إلى أن هذه الانتهاكات لا تلقى نفس الانتقادات الدولية التى تلقاها الانتهاكات التى تمارسها قوات النظام السورى، على الرغم من وجود عناصر جهادية تنتمى لتنظيمات إرهابية قد تسربت إلى الجيش السورى الحر المعارض، خاصة أن القوى الدولية غالباً ما ترجع تلك الانتهاكات الخطيرة إلى مسئولية النظام السورى. وأضاف الكاتب البريطانى أنه "ينبغى ألا تكون هناك أعذار عندما يصل الأمر إلى ارتكاب انتهاكات إنسانية تصل إلى حد جرائم الحرب"، مؤكداً أن العديد من المنظمات الحقوقية وعلى رأسها منظمة العفو الدولية، ومنظمة هيومان رايتس واتش قد أقرت بذلك، مشددة على ضرورة تعقب مرتكبى مثل هذه الجرائم مهما كانت الظروف المحيطة بهم، والتى دفعتهم لارتكاب مثل هذه الأفعال. وفي بداية الأسبوع الماضي، ذكَّرت منظمة "هيومان رايتس ووتش" الجيش السوري الحر بمسئولياته القانونية في صراعه الحالي مع الحكومة السورية، اثر ظهور شريط فيديو على بعض مواقع التواصل الاجتماعي يظهر صورا لإعدام عدد ممن يطلقون عليهم "الشبيحة" من وجهة نظرهم. وفي منتصف شهر مارس من العام الحالي، أشارت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى أن مسلحين في المعارضة السورية يرتكبون "انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان" بينها أعمال خطف وتعذيب وإعدامات، وقالت المنظمة في رسالة بعثت بها الى المجلس الوطني السوري وغيره من المجموعات السورية المعارضة، أن مجموعات مسلحة معارضة ترتكب "انتهاكات بينها عمليات خطف واحتجاز وتعذيب في حق عناصر من القوى الأمنية والموالية للحكومة بالإضافة الى الإعدامات". وقبل ذلك نفذت مجموعة مسلحة هجوماً على مقر قناة الإخبارية السورية في ريف دمشق وقاموا بحرقه وتدميره بكامل تجهيزاته، بعد أن اغتالوا عدداً من الإعلاميين والعاملين بالقناة، وترافق إرهابهم على الأرض مع إرهابهم في الفضاء فعمدوا إلى وقف بث قناة الدنيا على قمر "نايل سات"، وخططوا لخطف ترددات القنوات الفضائية السورية عبر محطات تحكم بالبث موجودة في دول مجاورة، وذلك بهدف بث أخبار كاذبة وملفقة حول سوريا بعد أن يقوموا بخطف عدد من الإعلاميين السوريين المعروفين، وإجبارهم على تسجيل ما يريدون كما حاولوا عشرات المرات اختراق المواقع الإعلامية السورية الالكترونية بهدف عدم تمكين القراء والجمهور من الوصول إليه، ومن بينها موقع وكالة الأنباء العربية السورية "سانا"، التي عملوا على سرقة شعارها وتصميم إعلان باللغتين العربية والانجليزية تضمن دعوات تحريضية قبل توزيعه بالبريد الالكتروني، كما خططوا لاستخدام بريد الوكالة الالكتروني بهدف مخاطبة الوزارات والشخصيات المهمة برسائل كاذبة. مما دفع الرئيس السوري لأن يقول في إحدى مقابلاته التليفزيونية: 'إنهم يسيطرون على الفضاء ولكننا نسيطر على الأرض"، في اشارة الى أن قوات جيشه وأمنه لهما الكلمة الأولى والأخيرة على طول بلاده وعرضها. Comment *