رغم ما تعيشه مصر من أحداث، قام كل من محافظي القاهرةوالجيزة والبحر الأحمر بتهنئة الرئيس محمد مرسى بمناسبة ذكرى غزوة بدر. وتلقى مرسي أيضا برقيتي تهنئة بمناسبة ذكرى انتصارات العاشر من رمضان من كل من محافظ البحر الأحمر ورئيس جامعة الإسكندرية. وحول هذا التصرف، أكد عدد من المتخصصين أن مثل هذه التصرفات تأتي ضمن إطار نفاق السلطة، القائم على مبدأ "أحلام سعادتك أوامر"، وتمثل شكلاً من أشكال مهادنة السلطة بعد وصول حزب "الحرية والعدالة" إلى الحكم، ولا تخص بشكل مباشر ما يمكن تسميته ب"أسلمة الدولة" أو "أخونتها". في البداية أوضح الناقد الدكتور عماد عبد اللطيف، مدرس تحليل الخطاب بجامعة القاهرة، أن التهنئة بانتصارات العاشر من رمضان ( 6 أكتوبر) جزء من البروتوكول الرسمي الذي يفعله عادة بعض المسئولين الرسميين مع المؤسسات التي يستمدون منها سلطاتهم. كما هو الحال بين المحافظين ومؤسسة الرئاسة. مشيرًا إلى أن بعض المحافظين قد اعتادوا من قبل إرسال برقيات مماثلة في هذه المناسبة إلى رئاسة الجمهورية. لكن الجديد نسبيًا هو إرسال تهنئة بذكرى غزوة بدر. وهو ما قد يكون امتدادًا لتهنئات ذات جذر ديني أخرى، مثل التهنئة بعيدي الفطر والأضحى. مبينًا أننا بحاجة إلى الانتظار قليلا لنرى هل ستتأثر البروتوكولات الحكومية بوجود شخصية لها جذور دعوية على رأس السلطة في مصر. وعن مشروع الأسلمة الواضح، وهل هو رد فعل شعبي، أم توجه رسمي، قال عبد اللطيف، في تصريحات خاصة "للبديل": ربما لا تكون هذا ولا ذاك؛ فقد لا تكون فعلاً شعبيًا، ولا أمرًا رئاسيًا. فبعض الموظفين أكثر ملكية من الملك! وهذه الظاهرة موجودة في كل الثقافات تقريبًا؛ خاصة الثقافات التي تلعب فيها السلطة دورًا كبيرًا، ويحظى من يمتلكها بتقدير كبير. ولا ننس أننا نعيش في مجتمع كان يؤمن بعبارة "أحلام سعادتك أوامر". وهي عبارة معناها أن هناك بعض الأشخاص على استعداد للمسارعة بتلبية كل ما يتوقعون أنه سيحظى برضا من يمتلك السلطة. وتابع: هذا فيما أظن ما يحدث من بعض الموظفين العموميين في اللحظة الراهنة. المشكلة أن هؤلاء قد يخطئون –وكثيرًا ما يُخطئون- في تفسير "أحلام" الرئيس. فيكونون كالدبة التي قتلت صاحبها، وأظن أنه ليس من مصلحة الإخوان المسلمين الآن ولا بعد حين الاهتمام بشكليات قد تثير مخاوف المجتمع، من الهيمنة الكاملة على الدولة. وعن تعليقات النشطاء على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" على الخبر، والتي جاءت إحداها بالتندر على رئاسة الجمهورية واستعدادها للاحتفالات التي ستقام بمناسبة خلق آدم، أوضح عبد اللطيف، أن الفكاهة دومًا أداة مهمة في مواجهة السلطة. وعادة ما تكون الفكاهة الصادمة وسيلة فعالة لنشر النقد الاجتماعي والسياسي، فهي تهز عقل المرء وروحه هزًا عميقًا. أما عن تأثير الفكاهة في المجتمع، فهو أمر لا يمكن التنبؤ به تمامًا، وهناك فكاهات مضادة دومًا. وساحة الفيس بووك بفكاهاته ونكاته، تكاد تتحول إلى ساحة حرب ضارية بين كل الأطراف. ويبدو أن الفكاهة السياسية قد تحولت بالفعل إلى فوهة بندقية، والكل يضع بنادقه في فم الجميع. من جانبه، أوضح عالم الاجتماع، الدكتور حسنين كشك، أن هذا السلوك رغم أنه لا يعني سوى من قاموا به, فإنّه يمثل في تقديره أعلى أشكال النفاق, مشيراً إلى أن ذلك لو كان عادة لدى المحافظين من قبل لما حدث شيء, ولكنه الآن مهادنة للسلطة بعد وصول حزب "الحرية والعدالة" إلى الحكم. وعن مساهمة ذلك في ظاهرة الأخونة, قال كشك: إن ثلاث برقيات لا تعني وجود ظاهرة مجتمعية, مؤكدًا أن ذلك يمكن تسميته خطوات أولى أو "إرهاصات" لظاهرة آخذة في التشكل, وأن ذلك مرهون بحركة القوى السياسية, وما سيتوصل إليه الصراع القائم بين الدولتين المدنية والدينية. فيما أوضح الباحث عبد إبراهيم، باحث في العلوم السياسية، أن هذه الحادثة تذكره بحادثة شبيهة حدثت في عهد "المخلوع"، حين سأل محافظًا عن محافظة ميلاده، فقال "زي ما تحب يا ريس"، وهي حادثة كاشفة لمعدن هؤلاء "المحافظين"، وتطرح بقوة ضرورة تغييرهم، فهم رجال مبارك، ومنهم علي عبد الرحمن الذي عُين في عهد مبارك رئيسًا للجامعة، والجميع يعرف كيف كان يتم التصعيد خلال الفترة السابقة، على حد قوله. وأضاف إبراهيم أن هذه الحادثة لا تأتي ضمن إطار الأسلمة، فهناك تيارات أخرى تعمل على الأسلمة الوارد حدوثها، ويمكن تصنيف التهنئة ضمن إطار "النفاق" فهؤلاء "فاهمين اللعبة" ويقدمون فروض ولاء للرئيس الجديد، وبعضهم ربما يكون قد تورط بسبب "فهلوة" مدير مكتب. وعن احتمالية تأثير ذلك الفعل في استمرار البعض في مناصبهم، أشار إبراهيم أن ذلك "وارد" جدًا، وتحديدًا من المحتمل أن يستمر محافظ الجيزة في منصبه رغم الاحتجاجات الشعبية التي تلاحقه. ويزيد من قوة احتمال بقائهم هو غياب المعايير الذي لوحظ في اختيار الوزراء. بعض الموظفين أكثر ملكية من الملك! وهذه الظاهرة موجودة في الثقافات تقريبًا التي تلعب فيها السلطة دورًا كبيرًا