من كام يوم كده .. دخلت مكتب احد زملاء العمل، و بالرغم من ترددى على هذا المكتب عدة مرات من قبل الا ان ما لفت انتباهى هو اطار معلق على احد الحوائط ، يحتوى الاطار على صورة فوتوغرافية لاحد الشخصيات و تحت الصورة نص خطاب لتلك الشخصية .. اخذت فى قراءة النص المكتوب .. بهرنى و تجمدت امامه حتى انهيت قراءته ، و اسرعت بمطالبة صاحب الاطار بنسخة من النص لم يمدنى بها الى الان .. و لكن اخذت ابحث عنها حتى وجدتها على احد المواقع. و وجدت نسختين من هذا النص مختلفتين بعض الشئ فى الالفاظ و إن كانت الافكار واحدة. و نبدأ بالنص ثم نُعرف بصاحبه .. الزعيم الكبير الزعيم الكبير فى واشنطن ارسل لنا كلماته بانه يريد شراء ارضنا. و سندرس هذا العرض، لاننا نعرف اننا ان لم نبع له ارضنا فسوف يأتى بالمدافع ليأخذها و لكن كيف يمكن ان نشترى او نبيع دفء الارض؟ هذه الفكرة غريبة تماما بالنسبة لنا فنحن لا نملك الانتعاش الذى يمنحه النسيم ، و لا لمعان الماء فكيف يمكن ان نبيعهم؟ * السماء العالية ، و التى ذرفت دموع التعاطف على قومى لعدة قرون غير معروفة العدد ، السماء التى هى بالنسبة لنا ابدية و دائمة ، قد يأتى وقت تتغير. اليوم صحو ، و لكن الغد قد يأتى محملا بالغيوم. كلماتى مثل النجوم – أبدا لا تتغير. و مهما قال " سياتل" فإن الزعيم الكبير فى واشنطون يستطيع الاعتماد على صدقها ، كما يؤمن بان الشمس تعود للشروق كل صباح ، و وفاء المواسم بمواعيدها. قال الزعيم الابيض ان الزعيم الكبير فى واشنطن يرسل لنا تحياته بالصداقة و الامنيات الطيبة. و هذا عطف منه لاننا نعرف ان الزعيم الكبير فى واشنطن ليست به حاجة لصداقتنا فى المقابل. فشعبه كثير العدد، انهم مثل الحشائش التى تغطى البرارى الشاسعة، و شعبى قليل العدد مثل الشجيرات الباقية فى السهل بعد العاصفة. ارسل لنا الزعيم الابيض الكبير فى واشنطن – و الذى اتمنى ان يكون جيدا كما هو كبير - ارسل يطلب منا تحقيق رغبته بشراء ارضنا ، بمقابل كافى يسمح لنا بالحياة المريحة. و هذا العرض يبدو كريما و عادلا فى ضوء عدم وجود حقوق للرجل الاحمر ليحترمها ، و يبدو العرض حكيما ايضا ، فنحن لم نعد بحاجة لتلك البلاد المترامية الاطراف. فيما مضى كان شعبنا يغطى هذه الارض ، تماما مثلما تغطى الرياح العاصفة سطح البحر الممتلئ قاعه بالاصداف. و لكن هذا الوقت مضى ، كما مضت معه عظمة القبائل ، التى لم يتبق منها الا ذكريات مملؤة الحزن. لن استطرد فى كلامى و لا فى تعبيرى عن الاسى و لا على ما وصل اليه حال شعبى من تدهور . و ايضا لن الوم اخوتى ذوى الوجوه الشاحبة (الرجل الابيض) على ما ارتكبوه فى حق شعبى . فربما كنا نحن ايضا يقع علينا بعض اللوم فى هذا. من سمات الشباب ، الاندفاع. عندما يغضب شباب قومى لخطأ ما ، سواء كان حقيقيا او كما يتصورونه، فإنهم يطلون وجوههم بالالوان السوداء، اشارة على السواد الذى سببه الخطأ فى قلوبهم ، و الذى يجعلهم قساة و غير متسامحين. و فى هذه الحالة يعجز حكماءنا (عجائزنا) الرجال و النساء عن ردعهم او السيطرة عليهم. كانت تلك هى الحالة عندما استمر الرجل الابيض فى مطاردة آباءنا و دفعهم للرحيل غربا. و لكن دعونا نأمل ان هذ العداء بين شعبينا لن يستمر للابد، فهذا معناه خسارة كل شئ و ليس هناك ما نكسبه. الانتقام ، فى نظر صغار السن قليلى الحكمة، هو مكسب فى حد ذاته. حتى لو خسر الانسان حياته فى مقابل تحقيق انتقامه. و لكن العجائز الذين يبقون فى بيوتهم اثناء الحروب ، و الامهات الذين يفقدون ابنائهم فى تلك الحروب ، يعرفون اكثر. ابانا الطيب المقيم فى واشنطن. و اقول ابونا لانى افترض انه الان ابانا نحن ايضا مثلكم، حيث قام الملك جورج بتوسعة حدوده اكثر باتجاه الشمال. ابانا العظيم الطيب، اعطنا كلمتك .. بأننا اذا فعلنا كما تطلب ، فانه سيقوم بحمايتنا كما يعد. و ان محاربيه الشجعان سيكونوا الى جانبنا ، و سفن اسطوله الحربى ستحمى موانينا ، و وقتها لن يعود اعداءنا القدماء ليروعوا نساءنا و اطفالنا و عجائزنا. و عندها سيكون بالحق ابانا و نكون نحن ابناءه. و لكن هل يمكن ان يتحقق هذا ؟ .. فربك ليس ربنا. ربك يحب شعبك و يكره شعبى. مد ذراعه القوية و احاطكم بها محبا و حاميا ، و قاد شعبكم – شاحب الوجه – بيده كما يقود الوالد ابنه. و لكنه ، فى المقابل ، تخلى عن اولاده ذوى اللون الاحمر، هذا اذا كانوا فعلا اولاده كما تقولون. الهنا ، الروح العظمى للكون ، يبدو ايضا انه قد تخلى عنا. الهكم يبدو انه يجعلكم اقوى كل يوم. و قريبا سيملأ شعبكم كل الارض. بينما شعبنا يبدو كموجة البحر التى تنحسر بلا عودة. انهم يبدون كالايتام الذين لا يأملون فى مساعدة تأتيهم من اى جهة. و الحال هكذا .. فكيف يمكن تصور أخوة قائمة بين شعبنا و شعبكم؟ كيف يمكن لربكم ان يصبح رباً لنا نحن ايضا؟ كيف يمكن لهذا الرب ان يمنحنا النجاح؟ كيف يمكن له ان يعيد لنا الحلم فى ان نستعيد عظمتنا مرة اخرى؟ اذا كان لنا فعلا – كما تقولون- رب واحد فى السماء ، فلابد انه انحاز لابناءه من البيض. نحن لم نرى هذا الرب ابدا. لقد اعطاكم كلمته و تعاليمه، و لكنه لم يتحدث ابدا لاحد من ابناءه ذوى البشرة الحمراء.، بالرغم من انهم ملأوا هذا أرض هذه القارة، كما تملأ النجوم صفحة السماء فى الافق. لايمكن و الحال هكذا إلا أن نرى اننا جنسين مختلفين تمام الاختلاف ، بلا اى اصل مشترك ، و لكل منا قدره المختلف ايضا. تقريبا لا يوجد شئ يجمعنا سويا. بالنسبة لنا ، فإن رفات اجدادنا مقدسة ، و الاماكن التى دفناهم فيها هى ارضنا المقدسة. و فى المقابل ها انتم ترحلون بعيدا عن الارض التى تضم رفات اجدادكم ، و بلا ندم او رغبة فى العودة اليها. إن دينكم قد حُفر على الواح الصخر بالاصبع الحديدى لربكم و لهذا يبدوا أنكم لا تنسون. و هذا ما لا يستطيع الرجل الأحمر فهمه او تمثله. إن ديننا هو تراث أجدادنا، أحلام آباءنا التى منحها لهم الروح العظمى للكون ، و الرؤى التى تمثلت لعظماءنا ، تلك الاحلام محفورة فى قلب كل فرد من شعبنا. ان أسلافكم يتوقفوا عن محبتهم لكم ، و يتوقفوا عن محبة الارض التى انجبتهم بمجرد ان يعبروا بوابة الخروج من هذه الحياة الى العالم الابدى الذى ينتظرهم. و سرعان ما تنسوهم حيث انهم لن يعودا ابدا. اما اسلافنا فهم لا ينسون ابدا تلك الارض الطيبة التى اعطتهم وجودهم. لا يتوقفوا عن محبة سهولها الخضراء ، و خرير ماء انهارها ، و قمم جبالها الشامخة ، و اوديتها الممتدة ، و خلجان شواطئها و بحيراتها. و هم دائما يعودون – متخليين عن جناتهم العليا - مملوءين بالحنين للقلوب الوحيدة التى ما زالت تعيش على تلك الاراضى ، محاولين ارشادها و هدايتها و منحها الطمأنينة. النهار و الليل لا يمكنهم الوجود سويا. و دائما ما كان الرجل الاحمر يهرب امام زحف الرجل الابيض. تماما كما يختفى الندى مع ظهور شمس النهار. و مع هذا ارى ان عرضكم عادل ، و اعتقد ان شعبى سوف يقبل به , و ينسحب للمحميات التى عرضتوها عليهم. و هكذا يمكن لك من شعبنا و شعبكم الحياة فى معزل عن الاخر فى سلام. و كأن كلمات زعيمكم الكبير هى الحكم الذى قدرته علينا الطبيعة. لم يعد من المهم اين سوف نقضى المتبقى لنا من أيامنا ، و هى على كل حال لم تعد كثيرة. فليل الهنود الحمر يبدو شديد الظلمة ، لا توجد نجمة واحدة تضئ هذا الأفق المعتم ، و النواح يبدو كصوت الرياح القادمة . فى اذن الرجل الاحمر تتردد اصوات خطوات اقدام الغازى ، كما تتردد اصوات خطوات الصياد فى اذن الفريسة الجريحة. قد يرى جيلنا عدة اقمار ، او نعيش عدة فصول شتاء اخرى ، و لكن بالتأكيد لن يكون اى من ابناء هؤلاء العظام الذين عاشوا على هذه الارض الواسعة او الذين ضمتهم بيوتهم السعيدة محاطين برعاية امنا الطبيعة ، لن يبقى اى من هؤلاء ليترحموا على قبور اسلافهم الذين ملائتهم الحياة بقوتها و آمالها ، ربما بأكثر مما لديكم الان. و لكن لما على ان اعبر عن كل هذا الحزن و الاسى الذى اشعره لمصير شعبى؟ القبائل تمر تلوها قبائل اخرى .. و الشعوب تمر تلوها شعوب اخرى، تماما كما تتلاحق امواج البحر. تلك هى قوانين الطبيعة التى لا ينفع معها الندم او الحزن. ربما يكون وقت سقوطكم ما زال بعيدا فى رحم الزمن، و لكنه بالتأكيد قادم لا محالة. فحتى الرجل الأبيض الذى نزل له إلهه و مشى معه و كلمه حديث الصديق للصديق، لا يمكن ان يكون استثناء لقانون الطبيعة العام. و على كل حال ، فقد نكون فعلا إخوة ، هذا ما سوف تكشفه الأيام. سوف ندرس العرض الذى تقدمتم به لنا ، و عندما نصل لقرار بشأنه سنقوم باعلامكم به. و لكنى هنا و الان اؤكد علىطلبنا فى انه فى حالة قبولنا لهذا العرض ، سيكون لنا مطلق الحرية فى ان نزور – فى اى وقت – قبور اسلافنا و اصدقاءنا و اطفالنا. فكل شبر من هذه الارض مقدس فى نظر شعبى. كل جانب تل ، و كل وادى و كل سهل و شق فى الارض هنا قد شاهد لحظات حزينة او مفرحة فى ايامنا التى ذهبت. حتى تلك الصخرة الصماء التى تكتوى بلهيب الشمس على هذا الشاطئ الصامت ، تلك الصخرة بالرغم من موتها الظاهرى الا انها محملة بذكريات شعبى و حياته. و هذا التراب الذى تدوسه اقدامكم ، و المشبع بدماء اجدادنا، عندما تمسه اقدامنا العارية نشعر به يبادلنا مشاعرنا و محبتنا له. شجعاننا الذين رحلوا، امهاتنا الحنون، فتياتنا المتفتحات للحياة ، و حتى اطفالنا الصغار الذين لم تتح لهم الفرصة للتمتع بالحياة هنا سوى لموسم او بعض موسم ، كل هؤلاء ستظل مشاعرهم معلقة بهذا المكان و ينتظرون بلهفة عودة ارواح اسلافهم ليقدموا لها محبتهم و تقديرهم. و عندما ينتهى اخر رجل احمر يزعجكم ، و عندما تصبح ذكريات شعبى مجرد اسطورة فى حكايات الرجل الابيض، سيظل هذا الشاطئ ممتلئا بارواح اسلافنا. و عندما يأتى الوقت على احفاد احفادك فى الحقل او الحوانيت او الاسواق او الطرقات ، او حتى عندما يلفهم الصمت فى مجاهل الغابات تأكد انهم لن يكونوا وحدهم ابدا. فى كل الأرض لا يوجد مكان يمكن ان تكون فيه وحدك. و فى المساء عندما تصمت شوارع مدنكم و قراكم و تظن انها مهجورة ، لن تكون كذلك ، بل ستكون مزدحمة بكل هؤلاء الذين ملأوا يوما هذه الارض الطيبة و ما زالوا يعشقونها. و ابدا لن يكون الرجل الأبيض وحده. كل ما اطلبه من الرجل الابيض ، فقط ان يكون عادلا و عطوفا مع شعبى ، فالموتى ليسوا عديمى الحيلة. الموتى ؟ هل قلت انا الموتى؟ لا يوجد موت ، فقط مرور من عالم الى آخر. • هذا الجزء من نسخة مختلفة قليلا عن باقى النص كان هذا هو الخطاب الذى القاه الزعيم سياتل فى عام 1851 تلقى الزعيم سياتل ، زعيم قبائل ال Suquamish و عدة قبائل اخرى من الهنود الحمر المقيمين فى منطقة Washington's Puget Sound، عرضا بشراء ارض الهنود الحمر لصالح الحكومة الامريكية بمبلغ 150000 دولار امريكى ، و كانت هذه الارض تبلغ مساحتها 2 مليون هكتار, بالاضافة الى نقل تلك القبائل الى محميات خاصة بهم. و فيما بعد تم اطلاق اسم الزعيم سياتل على المدينة التى اقيمت فى المنطقة Seattle و تم نشر هذا الخطاب لاول مرة فى عام 1887 فى جريدة محلية صغيرة اسمها Seattle Sunday Star و قام بنشره الدكتور Henry Smith الذى كان يقوم بترجمة الخطاب وقت ان قام بالقاءه الزعيم سياتل هناك الكثير من الخلاف حول حقيقة نسبة هذا الحديث الى الزعيم سياتل ، و لكن الاحداث نفسها حقيقية و تمت بالفعل هذه المعاهدة بين الحكومة الامريكية و الهنود الحمر بقيادة زعيمهم سياتل Comment *