أثارت زيارة مفتي الديار المصرية على جمعه، وقبلها زيارة الداعية اليمني الحبيب بن على الجفري، إلى القدس التي لا زالت تقبع تحت براثِنَ المحتل؛ جدلاً واسعاً على خلفيات دينية وسياسية. لا سيما وأن زيارتهما المشبوهة إلى المسجد الأقصى جاءت تحت حماية من قوات الاحتلال الصهيوني وأجهزته الأمنية، فقد دافع الحبيب بن على الجفري عن خطوته التى أقدم عليها، بالقول إن النبي محمد “أّسري به إلى المسجد الأقصى وهو محتل من قبل الروم، واعتمر عمرة القضاء مع الصحابة ومكة تحت حكم كفار قريش واعتمر وصلى والأصنام منصوبة في الكعبة وحواليها.. فلم يكن ذلك تطبيعا ولا استسلاما.” لكن شتان ما بين زيارة رسولنا الكريم، وزيارة المدعى الحبيب الجفري، فهناك اختلافاً جذرياً نوضحه بالآتي:- 1. أن رسولنا الكريم في حادثة الأسراء والمعراج لم يطلب تأشيرة من الروم، ولم يوسط أحد من سفهاء العرب ليستثنيه من التأشيرة ليسمح له بالمرور والدخول إلى القدس، ومن ثم الصلاة في المسجد الأقصي، وللعلم فرسولنا الكريم دخل القدس دون علم الروم ودون استئذان. 2. أما عمرة الرسول والصحابة ، المسماة ب”عمرة القضاء”، فالرسول خرج معتمرا دون علم قريش ودون استئذان, وفى البداية لم يكن معه سلاح, لكن عمر بن الخطاب أشار على الرسول حمل السلاح لأنهم مقدمون على قوم أهل حرب, فاستجاب الرسول لذلك, وهذا يعنى أن الرسول توجه إلى بيت الله الحرام لأداء العمرة ومعه السلاح الذي يدافع به عن نفسه وعمن معه, أما هؤلاء الدعاة لم يخرجوا من ديارهم الا خانعين، يأتمرون بأوامر الصهيوني، ويمرون من تحت حذائه. 3. أما قوله أن “مكة تحت حكم كفار قريش واعتمر وصلى والأصنام منصوبة في الكعبة وحواليها”. صحيح هذا قول حق يراد به باطل، يبدو أن المدعى اليمني نسى أو تناسي، أن قريش قبيلة عربية، من ملح الأرض العربية، وأنهم أصحاب الأرض الشرعيين، ويتمتعون بشرعية الوجود في مكة، أما الصهاينة ، فهم مجموعة من النفايات البشرية لفظتهم المجتمعات الغربية، وجيء بهم لاغتصاب واستيطان فلسطين، فدخول القدس تحت حرابهم وبحمايتهم تأكيد على شرعيتهم. 4. الفارق الأخير بين الزيارتين، أن مكة لم تكن دخلت ضمن الفتوحات الإسلامية، ولم يعمها الإسلام، فزيارة المسلمين لها لا تعطى شرعية للوجود القرشي، ولا تنفي الوجود الإسلامي، وهذا على عكس القدس، مدينة أسلامية، فالدخول بموافقة العدو الصهيوني، يسلم للعدو بشرعية بأنه صاحب المكان. أما المفتى على جمعة قال: إن هذه الزيارة تمت تحت الإشراف الكامل للسلطات الأردنية وبدون الحصول على أي تأشيرات أو أختام دخول، باعتبار أن الديوان الملكي الأردني هو المشرف على الأماكن المقدسة فى المدينة. يبدو أن جمعه لا يعلم أن فلسطين محتلة، وأن الأماكن المقدسة الفلسطينية، لا يجرؤ أحداً على دخولها دون الأذن المسبق من المحتل، والحصول أو عدم الحصول على تأشيرة ليس دليلاً على عدم موافق الكيان المحتل، ونفياً لما ذكره المفتي أعلنت الإذاعة الصهيونية اليوم (19/4/2012)، أن الزيارة تمت بالتنسيق الكامل مع السلطات الصهيونية. وتعليقاً على زيارة المفتي قال البطريرك ثيوفيلوس الثالث ‘إن بطريركية القدس ترحب بزيارة الحج التاريخية هذه، والتي تأتي في وقت يحتاج فيه المقدسيون لكل الدعم والسند'، وأكد أن لهذه الزيارة التاريخية معان هامة أولها أن الوئام الإسلامي المسيحي المتجذر في المنطقة يستند إلى “العهدة العمرية” التي وضعها سلفنا بطريرك القدس صفرونيوس والخليفة الراشد عمر بن الخطاب، ما يتطلب منا جميعا العمل الجاد والحثيث للحفاظ عليه إرثاً مباركاً لا يقبل الكسر أو التشويه. هذه المرة تبرع البطريرك ثيوفيلوس الثالث، بتبرير الزيارة، مقارناً بينها وبين زيارة عمر بن الخطاب، ولكن شتان ما بين الزيارتين، فعمر بن الخطاب زار القدس فاتحاً، فارضاً شروطه لاستلام المدينة، معلناً انتصار جيوش المسلمين بعد حصار المدينة، دخل عمر وهاماته مرتفعة، أما المفتي على جمعه، زار القدس خانعاً، تحت حراب المحتل، لا يجرؤ على الحديث إلا بأذن من سمح له بالزيارة، فعمر كان فاتحاً والمفتي كان سائحاً، وهناك بون شاسع بين كليهما. الم يساءل شيوخنا الأجلاء أنفسهم، لماذا سمح الكيان الصهيوني لهم بالصلاة فالأقصى، في حين يرفض السماح للمقدسين بالصلاة هناك؟ ألم يتبادر إلى ذهنهم صورة المشردين واللاجئين المقدسين، التي يقوم الكيان الغاصب بهدم بيوتهم لتهويد معالم القدس؟ الم يقرأ هؤلاء المدعين التاريخ الإسلامي؟؟ الم يصادفهم قول عثمان بن عفان للمشركين برفضه الطواف بالبيت في مكة، ومحمد ما زال ممنوعاً من ذلك؟ ولماذا لا يقتدي شيوخنا بالقاضي محيي الدين بن الزكي القرشي، الذي رفض أن يخطب الجمعة، أو يصلي في المسجد الأقصى، إلا بعد تحريره من الاحتلال الصليبي. ولماذا لم يصعد الداعية والمفتي إلى المنبر ليعلن نفير الجهاد من المسجد الأقصى، إن كانت الزيارة لمساندة الحق العربي والإسلامي في القدس؟ وفي الختام، أجد لزاماً علي أن أؤكد، أن بعض المشايخ استمرؤا رقصة الاستيربتيز السياسي أمام العدو الصهيوني، وأنه شرعاً خائناً من يدخل القدس من العرب سائحاً وليس فاتحاً. (*) باحث فلسطيني في التاريخ القديم.