خرج آلاف التونسيين في ذكرى الاستقلال رافعين شعارات ظاهرها ضد ما أسموه “أسلمه تونس” وإدخال الدين بالسياسة. وهي البلد التي تشهد حالياً صعود لتيار الإسلام السياسي ووصول حزب النهضة الإسلامي للحكم. وقد شهدت تونس منذ مطلع العام أحداث ترجمت لدى غالبية التونسيين على أنها محاولة لأسلمه المجتمع التونسي وإصباغ شكل الدولة والحكم بصبغة دينية متطرفة، مثل حادثة إنزال العلم التونسي من على مبنى جامعة منوبة واستبداله بعلم الخلافة الإسلامية، وكبديل عن دولة مدنية حديثة والتي تعتبر من أهم مكتسبات مرحلة بورقيبة أو ما يطلق عليه التونسيون حالياً الجمهورية الأولى التي انتهت بالإطاحة ببن علي، وعليه تطرح العديد من القوى السياسية والشعبية من مختلف الاتجاهات الفكرية أن تؤسس الجمهورية الثانية على أسس ديمقراطية مدنية قاعدتها دستور وطني متفق عليه من كل الشعب التونسي الذي أنتخب مجلسه التأسيسي في أكتوبر الماضي. فيما تلقفت وسائل الإعلام المختلفة على أنها مظاهرات “علمانية” ضد الصعود الإسلامي، فيما ذهبت بعض وسائل الإعلام التونسية والعربية أنها مظاهرات “للبورقيبين” أي من مناصري النظام السابق الذي قامت ضده الثورة، وهو تصور حاول الرئيس التونسي المنصف المرزوقي نفيه عن البورقيبيون، قائلاً في خطابه أمس في التلفزيون الوطني أن محاولات “شيطنة” البورقيبون لم يعد لها مبرر وأنه “يعتذر بأسم الدولة عن من حاولوا النيل وتشويه صورة البعض لمجرد أنهم يحملوا قيم الزعيم الوطنية.” وبعيدا عن اللغط الدائر حول خلفية المتظاهرين السياسية تبقى حقيقة واحدة وهي أن جزء من الشعب التونسي يرفض محاولات فرض نمط إسلامي متشدد في تونس، وخلال المظاهرات الأخيرة لم تقتصر الشعارات على التنديد بمحاولات تغيير الهوية المدنية لتونس، ولكنها أظهرت بعداً اجتماعياً وسياسياً، حيث ردد المتظاهرون شعارات مثل: “خبز وماء و النهضة لا”، وهي شعارات عكست أن التجاذب بين الأطياف السياسية في تونس ليس حول مسألة الهوية فقط، ولكن لاستكمال أهداف الثورة، والتي يعتقد جزء كبير من التونسيون أن هناك قضايا تطرح على الساحة مثل مسألة الهوية وثنائية العلمانية والدينية، للتغطية على فشل حكومة الأغلبية في تحقيق أهداف الثورة حيث شعار “التشغيل استحقاق لا خلافة ولا نفاق “. ونقلت وكالة رويترز عن متظاهرين قولهم: “لن نقبل أن تفرض أقلية لم تكن موجودة قبل 14 يناير خياراتها علينا”. وأضافت: “من العار أن نضطر بعد 56 سنة من الاستقلال إلى الخروج للمطالبة بدولة مدنية التي أصبحت محل تجاذب. تونس لها العديد من الأولويات الأخرى التي يتعين أن ننظر إليها، مثل الاقتصاد والبطالة والفقر”. وظهرت شعارات أخرى حول التحرر من التبعية للولايات المتحدة وحلفاؤها”شعب تونس شعب حر لا أمريكا ولا قطر”، “لا حمد و لا أوباما ثورتنا ثورة كرامة”، تعكس تخوفات لدى قطاع مهم من الشعب التونسي حول ما ستكون عليه الجمهورية الثانية. التظاهرات التي شاهدتها تونس أمس الأول كان جوهرها هو إكمال الثورة وتحقيق أهدافها وليس محاولة إعادة إنتاج نظام بن علي بسوءاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وليس حصر الأمر أنه مجرد صراع بين “علمانية بن علي”، و”أسلمه الثورة”، والتي يعتبرها من التيار الإسلامي في تونس وخصوصا ً التيار السلفي أن أهم ما تنجزه الثورة هو القضاء على مظاهر العلمانية، والتي بوجهة نظرهم تنحصر في سلوكيات يرونها خارجة عن تقاليد الشريعة، متناسين أن على الرغم من أن الشعب التونسي قد ثار ضد نظام بن علي بفساده واستبداده وطغيانه إلا أن مكتسبات الحرية والديمقراطية والتحديث التي شاهدتها تونس ما بعد الاستقلال ليست توجه سلطة أو نظام حكم بل أنه مكتسبات حققها الشعب التونسي بذاته طوال أكثر من 50 عاماً منذ الاستقلال.