شهدت الأسواق المصرية في الأعوام الأخيرة رواجًا كبيرًا لسلع مغشوشة، ومطبوع على أغلفتها علامات تجارية شهيرة، الأمر الذي أدى لخسائر فادحة لكبرى الشركات، بعد إحجام المواطنين عنها؛ لسوء جودتها تارة، وإصابة مئات المواطنين من حين لآخر على مدار العام بحالات تسمم تارة أخرى؛ نتيجة لانتهاء صلاحية غالبية تلك السلع، والتي تُصنع في الخفاء وفي مصانع ما تُعرف ب "بير السلم". ورغم الأضرار الكبيرة التي تلحق بالمستهلكين وأصحاب قطاع الأعمال المختلفة بسبب التجاوزات التي تشهدها الأسواق من المخالفين لتحقيق مكاسب طائلة، ورغم أنه لا يكاد يمر يومًا إلا ويتم الإعلان عن ضبط مصنع يقوم بإنتاج سلع، ويستخدم علامات تجارية مقلدة، إلا أن الكثيرين يرون أن قانون الغش والتدليس لم يحقق طموحاتهم في القضاء على الأزمة، حيث جاء في القانون، والذي حمل رقم 48 لسنة 1941 والمعدل بالقانون رقم 281 لسنة 1994، القواعد الخاصة بجريمة الغش التجاري والعقوبات المترتبة على ذلك، ونص على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه، ولا تتجاوز عشرين ألف جنيه أو ما يعادل قيمة السلعة موضوع الجريمة أيهما أكبر أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من خدع أو شرع في أن يخدع المتعاقد معه بأية طريقة من الطرق، وحدد القانون الغش بعدة حالات، وهي ذاتية البضاعة إذا كان ما سلم منها غير ما تم التعاقد عليه، وحقيقة البضاعة أو طبيعتها أو صفاتها الجوهرية أو ما تحتويه من عناصر نافعة وتركيبها، ونوعها أو منشؤها أو أصلها أو مصدرها. ويرى مؤمن يحيى، أحد التجار بأسيوط، أن ما تشهده الأسواق حاليًّا من عمليات غش تجاري فاق الحدود، مشيرًا إلى أن المناطق السكنية الجديدة، والقرى النائية، وكذلك بعض المناطق الصناعية التي يضربها الإهمال، قد تحولت إلى مأوى لأصحاب المصانع المتخصصة في إنتاج سلع مغشوشة، من خلال تقليد أشهر العلامات التجارية، سواء المصرية أو العالمية، دون اتباع أدنى سبل السلامة الصحية للمستهلكين، الأمر الذي يترتب عليه فيما بعد أضرار صحية بالغة للمواطنين، خاصة الأطفال، إذ تكون غالبية تلك المنتجات خاصة بصغار السن كالعصائر، والشيبسي. وعلى الجانب الآخر نجد أن التفنن في تقليد العلامات التجارية قد ازدهر بشكل كبير بين التجار المخالفين وبعضهم بعضًا، ووصل الأمر إلى وجود تجار متخصصين في بيع العلامة التجارية المقلدة حسب نوعها وثمنها، ويتم تحديد سعر لكل منها على حدة، بناء على المكسب العائد على صاحب المنتج المغشوش. ظهر ذلك فيما أعلنته الأجهزة الأمنية بالقاهرة، من ضبط مليون و801 ألف علامة تجارية مقلدة داخل مخزن بمنطقة الموسكي، وتبين أن المتهم يحوز علامات تجارية لماركات وشركات عالمية مقلدة بقصد طرحها بالأسواق وتوريدها لعملائه؛ لتحقيق أرباح غير مشروعة. اللواء عاطف يعقوب، رئيس جهاز حماية المستهلك، حذر عدة مرات من تقليد العلامات التجارية، وقال إن الأمر وصل للاحترافية من البعض، حتى أصبح من الصعوبة معرفة عمليات التقليد بالطرق التقليدية، ولذلك تم إطلاق مشروع العلامات التجارية لمنع الغش التجاري، إضافة إلى أنه يتم العمل، من خلال اللجنة العليا للرقابة على الأسواق بممثلي الجهات الرقابية والوزارات المعنية، على ضبط أي منتجات غير مطابقة للمواصفات القياسية واتخاذ الإجراءات القانونية ضد المخالفين، مضيفًا أنه سيتم تفعيل شبكة الإنذار المبكر للتنبؤ بحدوث أي نقص في السلع والمنتجات؛ لمخاطبة الجهات المعنية لتوفيرها قبل حدوث أي أزمات. وقال الدكتور محمود يوسف، وكيل وزارة التموين بالمنيا، إن ما تشهده الأسواق حاليًّا من غش تجاري ومسلسل استغلال المخالفين للتقليد دون مراعاة القانون وشروط الصحة والأمان لتحقيق ثروات هائلة يستوجب على الجميع التكاتف للابلاغ عنهم أولاً بأول، محذرًا من التراجع عن تلك الخطوة وعواقبها التي تطال الجميع بأضرار بالغة، وتحفز أصحاب تلك المصانع والمنتجات المغشوشة على مواصلة إضرارهم بالأسواق والمواطنين. وكشف يوسف عن أسوأ أنواع الغش التجاري التي ظهرت بالأسواق المصرية عامة خلال السنوات الأخيرة، وكان ذلك بمحافظة المنيا عندما تم ضبط مصنع بمنطقة نائية العام الماضي، وعثر بداخله على كميات بالآلاف لزجاجات فارغة مجمعة من الشوارع وموضوعة في أحواض كبيرة لتنظيفها وتعبئتها من جديد، وكذلك وضع ما يزيد على 2 طن عصائر "مانجو" داخل فنطاس مياه كبير، وماكينة أخرى لطبع العلامات التجارية المختلفة للشركات، مشيرًا إلى أنه يجب على المواطن النظر جيدًا للمنتج الذي يشتريه والتأكد من الصلاحية ومكان التوريد للمحل الذي يقوم بالشراء منه. وحذر الدكتور محمد حسن، المتخصص في أمراض الباطنة، من الأضرار التي قد تلحق بالإنسان نتيجة لتناول الأطعمة التي تُصنع بدون رقابة، ويُقبل عليها المواطنون بعد وضع علامات تجارية شهيرة على أغلفتها، مشيرًا إلى أن الأمراض قد تصل إلى الإصابة بالسرطان، والتسمم الحاد، والتيفود والأيكولا، والتهابات المعدة الشديدة، لاحتواء غالبية تلك المنتجات على نسب كبيرة من مكسبات الطعم واللون وبعض الصبغيات الضارة.