يأتي استبدال وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون بمدير الاستخبارات المركزية مايك بومبيو كمؤشر مهم لرؤية إدارة ترامب تجاه الشرق الأوسط، وهذا يعني أن ولي العهد السعودي الذي يزور الولاياتالمتحدة حالياً مستعداً لمناقشة عد من القضايا الرئيسية. على سبيل المثال، فأن السيد بومبيو يبدو أكثر تشدداً من تيلرسون في موضوع إيران، أو بالحد الأدنى لديه استعدادا للمخاطرة من خلال إتباع مسار منفصل عن الحلفاء الأوروبيين لواشنطن. فهل يمكن أن يعني ذلك أنه سيكون أكثر تطلبا في بنود قد يكون الأوروبيون على استعداد لقبولها كما كانت في الاتفاق النووي الإيراني إذا لم تنسحب إدارة ترامب منها في مايو المقبل؟ يبدو ذلك محتملاً؛ فكل من البريطانيين والفرنسيين والألمان يسعوا جاهدين لطمأنة مخاوف واشنطن. لكن إذا ما كان الانسحاب فما هي الآثار المترتبة عليه؟ وماهو رد فعل باقي مجموعة (5+1) والإيرانيون؟ وبصرف النظر عن الاتفاق النووي وما قد تفعله الولاياتالمتحدة في هذا الشأن، يبدو أن السيد بومبيو سيكون أكثر تعاطفا من السيد تيلرسون مع مواقف السعودية والإمارات تجاه قطر. فما الذي سيعنيه ذلك على أرض الواقع؟ المزيد من الضغط على قطر؟ أو بذل جهد أكبر من أجل حل الخلافات واستعادة وحدة دول «مجلس التعاون الخليجي»؟ وقد يظهر اختلاف هام آخر في سياسة المقاربة تجاه سوريا. فمن جهته، أوضح السيد بومبيو في ظهور علني له قبل عدة أشهر أنه يعتبر الوجود الإيراني في سوريا تهديدا خطيرا لمصالح الأمن القومي للولايات المتحدة. وهذه هي سياسة إدارة ترامب من الناحية النظرية ولكن ليس من الناحية العملية. فقد بدت أعمال الإدارة الأمريكية في سوريا مشابهة بشكل ملحوظ لسياسات إدارة أوباما، إذ إنها موجهة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» وليس ضد طهران أو دمشق. فما الذي يمكن فعله هنا؟ هل يستطيع السيد بومبيو تغيير مقاربة السيد دونالد ترامب وغريزته لإبقاء على سياسته تجاه سوريا موجهة ضد تنظيم «داعش» فقط وليس إيران؟ إذا كان الأمر كذلك، ماذا يمكن أن يطلب السيد ترامب من السعوديين؟ ماذا يمكن أن تطلب السعودية من الولاياتالمتحدة؟ من الضروري النظر في كل هذه التساؤلات خلال زيارة ولي العهد. ويجب أن يكون الهدف الثاني الأكبر من الزيارة هو التأثير على نظرة الولاياتالمتحدة تجاه السعودية. فمن الواضح أن السعودية تشهد ثورة من الأعلى لا تسعى إلى تغيير طبيعة الاقتصاد السعودي فحسب، بل الأعراف الاجتماعية للبلاد ومجتمعها أيضا. وتمثل "خطة التحول الوطني" السعودية نموذجا جديدا للتحديث. وعلى هذا النحو، فللولايات المتحدة مصلحة كبرى في نجاحها، ولاسيما أنه لم يظهر قط نموذج ناجح للتطور في الدول العربية الكبرى وشعوبها – وهو واقع أدى إلى حصول فراغ ملأه القوميون العلمانيون مثل جمال عبد الناصر سابقا، و«الإخوان المسلمين» والإسلاميين اليوم، ويدعون جميعا أنهم سيحققون تقدما اقتصاديا ومجتمعا عادلا. ولم يحقق أي منهم شيئا أو لم يستطيعوا ذلك لأن الأيديولوجيات الخاصة بكل منهم منعتهم من النجاح – إلا أن «رؤية السعودية 2030» قد تفي بوعدها. لكن صورة السعودية التي تقدم مجالا حقيقيا للتحديث في الشرق الأوسط لم تتجذر بعد في الولاياتالمتحدة. وفي المقابل، لا يزال الكثيرون يرون أن صورة أيديولوجيا التعصب والرفض المستوحاة من الوهابيين تقوم بتغذية التطرف. ومن الضروري التطرق إلى هذه المسألة في الخطابات العامة والمقابلات لتغيير صورة السعودية في الولاياتالمتحدة. لا شك في أن هذه ليست الرسالة العامة والخاصة الوحيدة التي ينبغي على ولي العهد أن ينقلها. ولكنه أمر مهم، وأرى أنه لا يقل أهمية عن رسالة الطمأنة التي يريد أن ينقلها إلى قادة القطاع الخاص الأمريكي – أي أن السعودية مكان جيد للاستثمار وريادة الأعمال. نعم، يمكن أن تكون حملة مكافحة الفساد سياسة إقناع جيدة، شريطة أن يخرج قادة المالية والاتصالات والتكنولوجيا العالية من اجتماعاتهم مع ولي العهد مقتنعين أنه ثمة فرص متكافئة لرواد الأعمال وأن القواعد والقوانين واضحة ومطبقة بشكل متجانس وشفاف.
وبالتأكيد، ستشمل زيارة ولي العهد أيضا مسألتين سياسيتين أخريين، وهما اليمن والسلام الإسرائيلي-الفلسطيني. الأولى نظرا إلى القضايا الإنسانية التي يجب معالجتها، بل أيضا لأن الولاياتالمتحدة والسعودية بحاجة إلى خطة مشتركة للتعامل مع الصراع الذي تعتبره إيران وسيلة رخيصة لاستنزاف المملكة. فما هي الخطوات التي يجب اتخاذها لوقف تزويد الأسلحة الإيرانية، بما في ذلك الصواريخ إلى الحوثيين؟ وما هو النفوذ الذي تملكه الولاياتالمتحدة والآخرون لتغيير حسابات الحوثيين؟ فإذا لم تتغير حسابات الحوثيين، من الصعب أن نرى كيف تصبح التسوية السياسية ممكنة أو كيف يمكن الحد من المعاناة التي يشهدها اليمن.
أما بالنسبة إلى قضية السلام، فيبدو أن الإدارة الأمريكية مستعدة لتقديم خطتها. ويجب أن يكون الهدف وضع خطة يمكن للسعودية وغيرها (دولة الإمارات، ومصر، والأردن، والمغرب) أن تتبناها بشكل علني وتعلن أنها خطة عادلة ومنصفة لحل النزاع من شأنها أن تحقق التطلعات الوطنية الفلسطينية بطريقة تصون كرامة الشعب الفلسطيني. ومن دون احتضان علني، لن تكون الإنجازات كبيرة، وسيفتقر الفلسطينيون إلى الغطاء السياسي الذي يحتاجون إليه لقبول التسويات الحتمية المطلوبة منهم ومن الإسرائيليين. وإذا شعر السعوديون وغيرهم بأنهم غير قادرين على احتضان القضية، فيجب أن تركز مناقشات ولي العهد على تأجيل الخطة والنظر في طرق أخرى لإدارة الصراع. يجب أن يكون هدف إدارة ترامب هو تقديم خطة أو اتخاذ خطوات لتحسين الوضع وإمكانية إنهاء الصراع، وليس إلى مفاقمة الوضع. ولن تمضي قضية السلام قدما في حال رفض الخطة وانسحاب الإدارة الأمريكية بعد ذلك – بل على العكس تماما. لذلك، يتعين على ولي العهد السعودي ألا يناقش الخطة فحسب، بل الخطوات التالية أيضا – في حال قبولها، أو عدم قبولها مع إمكانية مناقشتها أو رفضها.
وهناك أمور كثيرة يجب القيام بها ومحاولة تحقيقها خلال هذه الزيارة. ففي نهاية المطاف، تبقى النتيجة الأكثر أهمية هي وضع خطة مشتركة حول مجموعة من القضايا التي تشكل موضع قلق مشترك. ومن خلال منصبه الجديد، قد يتمكن السيد بومبيو بناء حوار مستمر لضمان التنسيق الوثيق وعدم ظهور أي مفاجآت أثناء متابعة الولاياتالمتحدة لجدول الأعمال المشترك حول المنطقة.