كتب- سايمون هندرسون يختلف الحديث عن طموحات امتلاك تكنولوجيا نووية سلمية في الشرق الأوسط إذا ما كانت هذا الطموح سعودي؛ فخطاب المملكة على اختلاف ملوكها في العقديين الماضيين لا يفرق بين برنامج نووي سلمي لإنتاج الطاقة وبين امتلاك سلاح نووي ودائماً ما يتم ربطه بصراع سياسي إقليمي وبالتالي عسكرته. إلا أن هذا الخطاب تجاه امتلاك برنامج سلمي لإنتاج الطاقة النووية كبديل عن عصر "النفط الرخيص"، وكشكل وضرورة لتنمية مستقبلية في المملكة، دائماً ما ربطته السلطة في السعودية خلال الثلاث أعوام الماضية بصراعها مع إيران، وأخر هذا الربط كانت تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قبل يومين في مقابلة معه على قناة سي بي إس الأميركية. وتأتي هذه المقابلة على هامش زيارة بن سلمان المرتقبة في العشرين من الشهر الجاري لواشنطن، والتي على رأس أجندتها إبرام اتفاق بناء محطات نووية في المملكة من قِبل تحالف شركات أميركية ينتظر من إدارة ترامب تخفيف الشروط الأميركية المفروضة على هذه الشركات لنقل وتدشين ومراقبة التكنولوجيا النووية خارج الولاياتالمتحدة؛ حيث من المزمع أن يتم بناء ما يتجاوز 15 مفاعل نووي في السعودية على مدار العقديين الماضيين. ويأتي هذا المسعى السابق بالتوازي مع عزم إدارة ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وفق حزمة قوانين عقوبات أميركية جديدة تشدد من مراقبة وامتلاك التكنولوجيا النووية، وذلك بعيداً عن ما تحدده الاتفاقيات الدولية ومعايير السلامة التي تشرف عليها وعلى الالتزام بها الأممالمتحدة وهيئاتها المعنية. في هذا السياق، يطرح المحلل المتخصص في الشأن السعودي، مدير برامج دول الخليج والطاقة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، سايمون هندرسون، مسارات وحيثيات الطموح النووي السعودي من حيث المحاذير والمخاوف، وارتباطه الدائم بصراع الرياض مع طهران الذي يفتح الباب حسب تصريحات المسئوليين السعوديين خلال السنوات الأخيرة لعسكرة هذا الطموح وتطور سباق التسلح في المنطقة من الأسلحة التقليدية لأسلحة الدمار الشامل، وعلى رأسها السلاح النووي. وفيما يلي نص تحليل هندرسون:
ولو كانت السعودية، على سبيل المثال، هي الدنمرك، لكان ذلك مجرد مسألة ضمان التوافق مع القانون الأمريكي. ولكن في الشرق الأوسط، تسود المخاوف من أن أي تنازل عن هذه الضوابط قد يفتح الباب على مصراعيه أمام الانتشار. وبصرف النظر عن ترسانة إسرائيل النووية القائمة منذ أمد طويل والمعترف بها ضمنياً، فإن القوة الإقليمية الأخرى الوحيدة التي تمتلك أسلحةً نووية هي باكستان التي يميل تركيزها الاستراتيجي إلى الاتجاه الجغرافي الآخر، أي الهند. إلا أن تقنية الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم التي تملكها باكستان قد تم بيعها إلى ليبيا وإيران، فضلاً عن تسليم معدات مماثلة من أوروبا إلى نظام صدام حسين فى العراق. وفي حالتي العراق وليبيا، تم تدمير هذه التكنولوجيا في عامي 1991 و2003 على التوالي. أما برنامج إيران، الذي تدعي طهران أنه كان غير عسكري فقط وما زال كذلك، فقد أصبح مقيداً الآن ب «خطة العمل الشاملة المشتركة» لعام 2015 والمعروفة بالاتفاق النووي مع الولاياتالمتحدة وشركائها. ولكن هناك أمراً مهماً أيضاً وهو أن «خطة العمل الشاملة المشتركة» تسمح لإيران بمواصلة التخصيب، على الرغم من أنه لا يسمح لها وهي غير قادرة تقنياً على استخدام هذه العملية لإنتاج اليورانيوم المعد لصنع الأسلحة. وبموجب الاتفاقية، لا تستطيع إيران إعادة معالجة البلوتونيوم، الذي هو وسيلة بديلة لتصنيع المتفجرات النووية. ويُعتقد أن الرياض تريد، على الأقل من الناحية النظرية، أن يكون لها الحق في تطوير قدرتها على التخصيب أو إعادة المعالجة. وفي عام 2009، أقنعت واشنطن دولة الإمارات بالتخلي عن كلا التقنيتين قبل أن توقع الدولة الخليجية اتفاقاً مع كوريا الجنوبية يقضي بإقامة أربعة مفاعلات للطاقة النووية. ولكن إذا ما تجنب بلد آخر في المنطقة أي قيود من هذا القبيل، فإن دولة الإمارات تحتفظ بحقها في إعادة النظر في "اتفاق 123" – بالإشارة إلى المادة 123 من "قانون الطاقة الذرية الأمريكي" الذي ينص على ضرورة إبرام اتفاق سلمي للتعاون النووي لنقل المواد أو المعدات أو المكونات النووية من الولاياتالمتحدة. يُنظر إلى الاتفاقية الإماراتية-الأمريكية المبرمة باعتبارها مقياساً ذهبياً، وانعكاساً لنضج دولة الإمارات ومسؤوليتها. وكان الإنجاز الأمريكي للقيود لافتاً بشكل خاص نظراً لتاريخ الإمارات المتقلب مع عبد القادر خان، العالم النووي الباكستاني المسئول عن نشر الأسلحة النووية. فلسنوات عديدة، سمحت أبو ظبي لخان بتشغيل شركاته الوهمية من دبي المجاورة. وبمساعدة مسئولين إماراتيين سهلوا دخوله إلى البلاد وخروجه منها، استخدم خان إمارة دُبي – إلى حين إلقاء القبض عليه عام 2003 – كحلقة وصل للتكنولوجيا المخصصة للبرنامج الباكستاني للأسلحة النووية وكنقطة عبور للتكنولوجيا التي يجري تهريبها إلى ليبيا وإيران. وكان خان على علاقة وثيقة مع زعماء دولة الإمارات واستضافهم أيضاً في باكستان.
ومما يثير قلق مماثل فيما يتعلق بالسعودية هو الزيارة التي قام بها وزير الدفاع آنذاك الأمير سلطان بن عبد العزيز إلى محطة التخصيب الباكستانية في كاهوتا خارج إسلام آباد عام 1999، أي بعد عام من إجراء باكستان تجارب نووية باستخدام قنابل تحتوي على يورانيوم عالي التخصيب. وتذكر إحدى الصور التي نُشِرت في ذكرى زيارة الأمير سلطان، هذا الأخير وهو يظهر جالساً إلى جانب رئيس الوزراء الباكستاني آنذاك نواز شريف والدكتور خان. كما يظهر في الصورة قائد الجيش الباكستاني في ذلك الحين الجنرال برويز مشرف، الذي أطاح في وقت لاحق برئيس الوزراء شريف واعتقل خان فيما بعد. أما الزيارة التي ظهر فيها الوفد السعودي وسُمح له بالإطلاع على أجزاء من سلاح نووي باكستاني وفقاً لبعض التقارير، فقد أدت إلى تقديم احتجاج دبلوماسي رسمي من قبل الولاياتالمتحدة وعززت الشائعات التي لا تزال منتشرة بأن السعودية متفقة مع باكستان على نقل الصواريخ المزودة برؤوس نووية خلال فترة الأزمات. (ومنذ عام 1988، تملك السعودية صواريخ صينية ذات قدرة نووية ولكنها مجهزة بأسلحة تقليدية ويمكنها الوصول إلى طهران.) هذا ما حدث آنذاك. ويبقى السؤال المطروح ما هو الأسلوب العملي حالياً، منذ اعتراف «خطة العمل الشاملة المشتركة» بحق إيران في التخصيب. لقد أصبح الحُكم على ذلك أكثر صعوبة في أعقاب الزيارتين التي قام بهما ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي هو أيضاً وزير الدفاع السعودي، إلى باكستان في يناير وأغسطس 2016 منذ أن أصبح والده ملكاً عام 2015. وفي المقابل، قام القادة الباكستانيون بسلسلة من الزيارات رفيعة المستوى إلى السعودية. وفي وقت سابق من هذا الشهر، قام رئيس أركان الجيش الباكستاني الجنرال قمر جاويد باجوا بزيارة الرياض للقاء الأمير محمد بن سلمان "لبحث الأمور ذات الاهتمام المشترك والروابط العسكرية". وكانت هذه المرة الثانية التي يزور فيها باجوا المملكة خلال شهرين. وفي السياسات الحالية لباكستان، لا يُعتبر باجوا الزعيم الرائد في السياسة الخارجية والأمنية لبلاده فحسب، بل إنه شخصية أكثر نفوذاً عموماً من الرئيس أو رئيس الوزراء. وفى 10 فبراير، أعلن الجيش الباكستاني عن اتفاق ينص على إرسال آلاف العسكريين الباكستانيين في مهمة تدريبية غير محددة إلى السعودية. وقد أثارت هذه الأخبار احتجاجات في "الجمعية الوطنية الباكستانية" التي منعت قبل ثلاث سنوات طلباً سعودياً لمشاركة القوات الباكستانية في القتال في اليمن. وخلال النقاش، تبين أيضاً وجود 1600 جندي باكستاني إضافي فعلاً في المملكة، وتم تدريب 10 آلاف عسكري سعودي في أكاديميات ومؤسسات عسكرية باكستانية غير محددة. وخلال الأسبوع الماضي فقط، ظهرت إشارة أخرى إلى مدى التقارب بين البلدين ومدى تصرف الرياض بشكل مستقل عن رغبات واشنطن، عندما شاركت السعودية لفترة وجيزة في عرقلة محاولة أمريكية لوضع باكستان على قائمة دولية لمراقبة عمليات تمويل الإرهاب. إن مسألة ما إذا كانت الولاياتالمتحدة ستقدم أي تنازلات نووية لكسب صفقة مربحة، تأتي قبل قيام محمد بن سلمان بزيارة مطولة إلى الولاياتالمتحدة بهدف إظهار قوة العلاقة الثنائية وتشجيع الشركات الأمريكية على بناء شراكات مع السعودية لتنفيذ خطط ولي العهد للتحول الاقتصادي والاجتماعي المعروفة ب «رؤية السعودية 2030». وعلى الرغم من الوضع غير المؤكد ل «خطة العمل الشاملة المشتركة»، نظراً للشكوك المتكررة التي أعربت عنها إدارة ترامب، إلا أن المعضلة بسيطة، وهي: هل يمكن إقناع السعودية بالتخلي عن التخصيب وإعادة المعالجة، حتى بشكل مؤقت، مقابل اختيار التكنولوجيا الأمريكية لخططها الطموحة للطاقة النووية؟ قد تؤدي صفقة البيع الخاطئة إلى تقويض الوضع الراهن الهش وتضخيم الخصومات الإقليمية إلى مستوى جديد.