مائة يوم مرت على قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الخاص بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إلى هناك، ولا يزال الشعب الفلسطيني يضج غضبًا من القرار الذي لقِيَ استقبالًا باردًا من الدول العربية والإسلامية، دفع المعسكر الصهيوأمريكي إلى المزيد من الإجراءات المعادية للشعب الفلسطيني، وعلى الرغم من الخذلان الذي تلقاه هذا الشعب المقاوم من العرب، إلا أن الإرادة والإصرار لا يزالان يحركانه، فيومًا بعد يوم يدفع الاحتلال الصهيوني جزءًا من فاتورة حسابه الثقيل مع الفلسطينيين. بصمة جديدة للمقاومة عملية جديدة تظهر المزيد من الإرادة والإصرار لدى المقاومة الفلسطينية، لكن هذه المرة كانت مدينة جنين هي الشاهد على غضب المقاومة الشعبية الفلسطينية، حيث قتل جنديان صهيونيان، وأصيب 4 آخرون بجراح بالغة الخطوة، في عملية دهس نفذها الأسير المحرر "علاء قبها" البالغ من العمر 26 عامًا، مساء أمس الجمعة، عند حاجز عسكري للاحتلال بالقرب من بلدة يعبد غربي مدينة جنين شمال الضفة الغربيةالمحتلة، وعلى مفترق مستوطنتين. من جهته اعتبر جيش الاحتلال الإسرائيلي أن ما حدث اعتداء استهدف دهس قوة عسكرية، وأضاف أنه تم اعتقال المنفذ الذي أصيب بجروح، ويجري التحقيق معه، فيما أكدت وسائل إعلام إسرائيلية أخرى أن المنفذ نقل إلى أحد المستشفيات في مدينة الخضيرة داخل الخط الأخضر، وأنه أصيب بجروح متوسطة، ويتلقى العلاج، وأضافت وسائل الإعلام، نقلًا عن نتائج التحقيقات السريعه التي أجراها الكيان الصهيوني، أن المنفذ "علاء قبها" مر بالجنود، وسار مسافة قصيرة، ثم استدار بسيارته، وهاجمهم بسرعة كبيرة. تنبع أهمية هذه العملية من كونها تزامنت مع حلول الذكرى الأربعين لاستشهاد "أحمد نصر جرار"، الذي استشهد في مواجهة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في قرية اليامون بقضاء جنين، بعد مطاردة دامت نحو شهر، على خلفية عملية قتل خلالها "جرار" المستوطن "أزرائيل شيفح" قرب البؤرة الاستيطانية "حفات جلعاد"، كما تتزامن مع مرور مائة يوم على قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي ونقل سفارة بلاده إلى المدينةالمحتلة، فيما يعتبر منفذ العملية "علاء قبها" أسيرًا محررًا، كان قد أمضى 17 شهرًا في سجون الاحتلال، وأفرج عنه في إبريل من العام الماضي، الأمر الذي يعني أن الاعتقال لم يعد وسيلة لإرباك أو ردع المقاومة الفلسطينية. استنفار أمني عقب وقوع العملية استنفرت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث قام جنوده بإغلاق محيط بلدة "يعبد" جنوب مدينة جنين، وحاجز "دوتان"، واستنفرت القوات في محيط مستوطنة "ميفو دوتان" بالمنطقة، وقال شهود عيان إن المنطقة من عرابة وحتى يعبد وصولًا لحاجزي دوتان وبلدة برطعة وكذلك مدخل مستوطنة "حرميش" تشهد انتشارًا كبيرًا لدوريات الاحتلال بمعدل دورية كل 100 متر. وأشاروا إلى أن جنود الاحتلال منعوا حركة المرور في المنطقة، وأجبروا المركبات على مغادرتها، كما أغلقوا مدخل بلدة "يعبد"، واستدعت قوات الاحتلال طائرة مروحية للمنطقة، فيما لا يستطيع سكان المناطق المحيطة بيعبد من ناحية حاجز دوتان والمواطنون العائدون من حاجز برطعة الوصول لأماكن سكنهم. عقاب جماعي على جانب آخر لم يتوانَ الاحتلال الصهيوني عن اتباع سياسته العنصرية المعتادة تجاه أهالي منفذي العمليات، فبادر باتخاذ إجراءات انتقامية وعقوبات جماعية بحق أفراد عائلة "قبها"، فقد اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي شقيق منفذ عملية جنين، حيث داهمت قوة عسكرية بأكثر من عشرين آلية عسكرية قرية برطعة مسقط رأس منفذ العملية "علاء قبها"، وحاصرت منزل منفذ العملية، واعتقلت شقيقه "عصام قبها"، فيما قال منسق أنشطة حكومة الاحتلال في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، الجنرال يوآف بولي مردخاي، إنه أمر بتجميد فوري وواسع لتصاريح أبناء عائلة منفذ العملية، بحيث يشمل 67 تصريح عمل و26 تصريحًا تجاريًّا وأربع رخص عمل في المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية. من جانبه ادعى وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيجدور ليبرمان، أنه "لا يوجد إرهاب أفراد، وإنما يوجد إرهاب يدعمه محمود عباس والسلطة الفلسطينية التي تدفع أموالًا لعائلات المنفذين"، على حد تعبيره، مؤكدًا أن حكومته ستعمل على تنفيذ حكم الإعدام بحق منفذ العملية وهدم منزله وملاحقة كل من يتعاون معه، وذلك عملًا بالمشروع الإسرائيلي الذي صدَّق عليه الكنيست في يناير الماضي بالقراءة الأولى، ويقضي بتنفيذ حكم الإعدام بحق فلسطينيين نفذوا عمليات ضد أهداف إسرائيلية، فعلى الرغم من أن القانون لا يزال يحتاج إلى المرور بثلاث قراءات لكي يصبح نافذًا، إلا أن الاحتلال قرر تنفيذ مفرداته قبل إقرار القانون بشكل رسمي، الأمر الذي يؤكد أن الاحتلال يسير باتجاه اتخاذ المزيد من الإجراءات العنصرية المجحفة، دون أن يولي اهتمامًا لكون هذه الإجراءات ذات شرعية قانونية من عدمه، فهو يحاول شرعنتها قانونيًّا بشكل صوري. ترحيب فلسطيني يتنفس الشعب الفلسطيني الصعداء كلما خرجت عملية جديدة من رحم المقاومة الفلسطينية، فهذه العمليات تؤكد أن الإصرار والإرادة لا يزالان يتحكمان في عقليه هذا الشعب الذي يناضل وحيدًا في مواجهة الاحتلال وإجراءاته العنصرية، حتى بعد أن تخلى عنه جيرانه العرب والمسلمون في الخارج وقياداته في الداخل، ولهثوا جميعًا باتجاه التطبيع مع العدو ومحاولة إرضائه، حيث اجتاحت الأجواء الفلسطينية حالة من الفرح والترحيب بعملية جنين، عبرت عنها فصائل المقاومة الفلسطينية، حيث قال عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية، طلال أبو ظريفة: عملية جنين رد فعل طبيعي مشروع على جرائم الاحتلال، وتأكيد على استمرار الانتفاضة والمقاومة كرافعة نضالية لإسقاط قرار ترامب ورفع كلفة الاحتلال للتعجيل برحيله. أما المتحدث باسم حركة حماس، عبد اللطيف القانوع، فقال: عملية الدهس البطولية قرب جنين تؤكد على حيوية واستمرارية انتفاضة القدس، ورفض شعبنا الفلسطيني للقرار الأمريكي بشأن مدينة القدس بعد مرور 100 يوم عليه، وأضاف القانوع: حركة حماس تبارك هذه العملية البطولية، وتدعو شعبنا لمواصلة انتفاضته الباسلة واستخدام مختلف الأدوات والوسائل لإيلام العدو الصهيوني. من جانبها أشادت حركة الجهاد الإسلامي في بيانها بتصاعد العمليات الفدائية التي تستهدف جنود الاحتلال والمستوطنين المعتدين، وأكدت أن هذه العمليات حق مشروع للشعب الفلسطيني الذي يدافع عن نفسه وأرضه ومقدساته في وجه الاٍرهاب الاسرائيلي الغاشم، وقالت إن "هذه العمليات تأتي لتؤكد أنه لا أمن ولا استقرار لهذا الاحتلال الغاصب لأرضنا، وهي رد باسم الشعب الفلسطيني على ما يرتكبه العدو من جرائم وعدوان"، ودعت الحركة لاستمرار نهج المقاومة بكل أشكالها لإسقاط المؤامرة الصهيوأمريكية التي يُراد منها تصفية القضية الفلسطينية. حركة الأحرار قالت في بيانها إن "استمرار تنفيذ العمليات البطولية هو تأكيد على تمسك شعبنا بخيار المقاومة ورفضه للعدوان الأمريكي وصفقة القرن"، وأكدت أن هذه العملية هي "رد فعَّال من شعبنا على الإجرام الصهيوني المتواصل بحقه وحق مقدساته وأرضه وأسراه، وتأكيد على استمرار الانتفاضة رغم كل المُعيقات، وعلى رأسها جريمة التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال"، فيما أعربت حركة المقاومة الشعبية في فلسطين عن مباركتها لعملية الدهس، قائلةً إن عملية جنين هي الطريق الأنجع والوسيلة الأجدى والخيار المجمع عليه فلسطينيًّا من أجل مقارعة الاحتلال وقتاله حتى تحرير الوطن المحتلة وطرد المحتل إلى خارجه.