مع اقتراب العملية التركية المسماة ب"غصن الزيتون" من إتمام شهرها الثاني شمال الأراضي السورية، لا تزال دائرة الخلافات بين تركياوأمريكا تتسع، خاصة مع تصاعد قتال العناصر التركية للأكراد المدعومين من واشنطن، وفي الوقت نفسه، يرتفع سقف طموحات أنقرة، لكنها تصطدم بواقع الأكراد وتخلي أمريكا عن تركيا، الأمر الذي يعني أن أنقرة وقعت في كماشة؛ فمن ناحية تواجه القوات الروسية والسورية، ومن ناحية أخرى، تصطدم مع القوات الأمريكية، الأمر الذي دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخرًا، إلى محاولة الاستقواء والاستنجاد بحلف شمال الأطلسي "الناتو". نداء تركي للناتو وجه الرئيس التركي دعوة إلى حلف الناتو للقدوم إلى سوريا والمساعدة في حماية الحدود التركية ممن أسماهم "الإرهابيين"، قائلا في خطاب ألقاه، السبت، أمام أنصار حزب العدالة والتنمية الحاكم في محافظة مرسين: "أخاطب الناتو، أين أنتم؟، تعالوا إلى سوريا، لماذا لا تأتون، أليست تركيا إحدى دول الناتو؟"، مضيفًا: "دعوتمونا إلى أفغانستان والصومال والبلقان فلبينا النداء، والآن أنا أدعوكم: تعالوا إلى سوريا.. لماذا لا تأتون؟". وخلال خطابه، حاول أردوغان إعطاء المزيد من الشرعية المفقودة لوجود قواته التركية داخل الأراضي السورية، التي وصفتها دمشق مرارًا بأنها "محتلة"، من خلال إعادة الحديث حول أهداف عملية "غصن الزيتون" في منطقة عفرين شمال غرب سوريا. ويأتي النداء التركي لحلف الناتو في الوقت الذي أكد فيه الرئيس أردوغان أن قوات بلاده تستمر بتقدمها في منطقة عفرين شمال سوريا، وشارفت على الدخول إلى مركزها، وزعم أن بلاده لو تخلت عن ضميرها وأخلاقياتها لكان باستطاعتها السيطرة على منطقة عفرين السورية خلال ثلاثة أيام. الناتو.. هل يلبي النداء؟ الكثير من المراقبين والمحللين السياسيين رأوا أن حلف شمال الأطلسي لن يلبي النداء التركي، ولن يورط نفسه في نزاع يعد أقرب إلى أن يكون حربا باردة بين عضوين أساسيين في الحلف، أمريكاوتركيا، خاصة أن الأخيرة لديها طموحات لتوسيع عمليتها العسكرية إلى "منبج"، ما يعني وقوع صدام مباشر مع الولاياتالمتحدة التي تتواجد قواتها بكثافة في المدينة، الأمر الذي سيدفع الناتو إلى التعامل مع الدعوة التركية وكأنها لم تكن، خاصة في ظل وجود خلافات في الأساس بين أنقرة والحلف الأطلسي، على خلفية شراء الأولى منظومة "إس400" الصاروخية الدفاعية من روسيا، وهي الصفقة التي أثارت غضب "الناتو" وقلق أمريكا في الوقت نفسه. تعامل حلف الناتو مع الدعوة التركية بلا مبالاة سيضع أنقرة أمام حقيقة كونها عضو صوري ليس له نفوذ أو وزن سياسي، رغم أنها عضو مؤسس للحلف قبل أكثر من 60 عاما، وهو ما ظهر خلال محاولات أردوغان حشر بلاده كعضو في الاتحاد الأوروبي، حيث استمرت المحاولات عقودًا طويلة دون أي جدوى، فالقارة العجوز تتعامل مع تركيا على أنها مجرد حاجز لصد تدفقات اللاجئين إلى أوروبا من الدول العربية وخاصة سوريا، لكن لا تريد أن تتغلغل في علاقات سياسية أو اقتصادية أو عسكرية أكثر من ذلك مع أردوغان، ولا تريد توريط أكثر من 25 دولة دفاعًا عن التهور التركي في سوريا. ورطة تركية يبدو أن أردوغان أدرك مؤخرًا أن طموحاته المرتفعة لا تتماشى مع الأوضاع السياسية والعسكرية المفروضة على الأرض، فأمريكا تحاول سحب يدها من المستنقع السوري بعدما أثبتت فشلها فيه، فيما يستنجد الأكراد بالجيش السوري ويفرون من مناطق القتال إلى المناطق التي يسيطر عليها الجيش للاحتماء بها، الأمر الذي يعني أن تركيا أصبحت على بُعد خطوات من مواجهة الجيش السوري، التي لا تحتاج إلى تكهنات أو تحليلات، فتركيا أبعد ما تكون عن تحقيق أي انتصار على أصحاب الأرض الأصليين. الرجل المهووس والغارق في أحلام إعادة الأمجاد العثمانية على الأراضي العربية، وجد نفسه في ورطة حقيقية في ظل تدفق آلاف المقاتلين الأكراد إلى عفرين من الرقة والقامشلي وعين العرب، حيث أعلنت قوات سوريا الديموقراطية، الأسبوع الماضي، عزمها نقل 1700 من مقاتليها من المعارك ضد تنظيم داعش في شرق البلاد إلى المعارك مع القوات التركية في منطقة عفرين، الأمر الذي دفع أنقرة إلى طلب استغاثة سريعة للحلف الذي ورط تركيا قبل عقود في حروب عدة؛ أبرزها في أفغانستان والصومال والبلقان، في محاولة من أردوغان لتوجيه رسالة إلى الدول الأوروبية برد الجميل لأنقرة الآن. ما سبق يعني أن أنقرة تورطت في مستنقع الشمال السوري وأدركت أن حسم الملف لن يكون سهلًا وسيكبدها ثمنًا باهظًا، وأن سقف طموحاتها يجب أن يتوقف في أحسن الأحوال عند عفرين، ما يجعل أمامها سيناريوهين كلاهما سيئ بالنسبة لها، فإما التراجع عن معركة "غصن الزيتون" بعد إثبات فشلها وهو السيناريو المستبعد، نظرًا لكون أردوغان صاحب الشخصية النرجسية لن يعترف مطلقًا بخطأ مخططه الساعي إلى السيطرة على شمال سوريا، أو اللجوء إلى السيناريو الثاني وهو استخدام ورقة الإنقاذ الأخيرة، والمتمثلة في التوجه لفتح قنوات اتصال مع النظام السوري والتصالح مع دمشق مقابل تقديم تنازلات عدة.