أعلنت محطة "فانا" الإذاعية، التابعة لدولة إثيوبيا، أمس أن رئيس الوزراء الإثيوبي، هيلا ميريام ديسالين، استقال، وربطت بين الاستقالة وأسوأ احتجاجات مناهضة للحكومة في البلاد خلال ربع قرن من الزمان، حيث قال المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية، نيقيري لينشو، إن تحديات -في مقدمتها الاضطرابات التي شهدتها البلاد خلال السنوات الثلاث الماضية- فرضت استقالة ديسالين. وأجمل المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية الأسباب في الاحتجاجات التي عمت مناطق متفرقة من البلاد، خاصة التي وقعت في إقليمي أورومو وأمهرا، وسقط فيها الكثير من الضحايا، إضافة إلى الاشتباكات التي وقعت في المناطق الحدودية بين إقليم الصومال الإثيوبي وإقليم أورومو، وتسببت في سقوط قتلى ونزوح الآلاف. ووفقًا لما ذكرته الإذاعة الإثيوبية، فإن رئيس الوزراء البالغ من العمر 53 عامًا، والذي زار مصر منتصف يناير الماضي، سيواصل دوره حتى "تكتمل عملية انتقال السلطة"، وأضاف التقرير أنه يسعى أيضًا لإزاحة نفسه من الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية الحاكمة. من جهتها نقلت مصادر عن الائتلاف الحاكم (الجبهة الديمقراطية الثورية للشعوب الإثيوبية) أن الائتلاف درس الأسباب التي أدت إلى تلك الاضطرابات التي بدأت عام 2015 وأوقعت نحو ألف قتيل، وأن رئيس الوزراء "قدم استقالته لرغبته في أن يكون جزءًا من الحلول للتحديات الراهنة التي تواجهها البلاد". وفي إطار تهدئة الأوضاع الاحتجاجية في الداخل الإثيوبي، أفرجت الحكومة الأربعاء الماضي عن 746 معتقلاً سياسيًّا، منهم معارضون بارزون وإسلاميون من قومية الأورومو، بينما طالبت السلطات المحتجين الغاضبين بإقليم أوروميا بالتهدئة بعد سقوط سبعة قتلى جراء العنف. وبث التلفزيون الرسمي لقطات من عمليات الإفراج، حيث أفرج عن الأمين العام لحزب مؤتمر أورومو الاتحادي بيكيلي جيربا، والذي تحدث أمام آلاف من مؤيديه في مدينة "أداما"، وحثهم على مواصلة احتجاجاتهم السلمية حتى يتم إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين. خطوة الإفراج عن المعتقلين من قبل الحكومة الإثيوبية تأتي بعد أسبوعين من إعلان المدعي العام إسقاط التهم والعفو عن المعتقلين، استكمالاً للقرارات التي أعلن عنها الائتلاف الحاكم في إثيوبيا الشهر الماضي؛ بهدف توسيع المشاركة السياسية وتعزيز الوئام الوطني، في حين بلغ عدد المفرج عنهم منذ الشهر الماضي وحتى اليوم نحو أربعة آلاف شخص. ويشهد إقليم أوروميا منذ أيام احتجاجات عنيفة واعتصامات في مناطق واسعة؛ للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، ويتمتع إقليم أوروميا بحكم شبه ذاتي، ويتبع الكونفدرالية الإثيوبية المكونة من تسعة أقاليم، التي بدأت الحكم الفيدرالي بعد سقوط نظام منغستو هايلي ماريام عام 1991. ويرى متابعون أن الاحتجاجات قد تكون العامل الأبرز لتقديم ديسالين لاستقالته، فعلى الرغم من الاحتجاجات التي تواجه إثيوبيا، إلا أنها تعد أعلى معدل نمو في قارة إفريقيا والرابع على العالم عام 2017، ويبدو أنها تريد أن تحافظ على هذا التطور، وتزيح أي عائق قدر يؤدي لخسارتها لتلك المكانة الاقتصادية. كيف تؤثر الاستقالة على سد النهضة؟ يرى مراقبون أن المشاكل التي تعصف بالحكومة في إثيوبيا قد تؤثر على ملف سد النهضة لصالح مصر، حيث قال الدكتور هاني رسلان، رئيس بحوث السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن استقالة رئيس الوزراء الإثيوبي قد تعطي مرونة في التفاوض بملف سد النهضة الإثيوبي. وفي مقابل رأي رسلان المتفاؤل، كتب نايل الشافعي المحاضر في معهد ماساتشوستس للتقنية والاستشاري للعديد من الهيئات الدولية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": إن الموقف يشكل فرصة كبيرة لمصر للتوصل لحل كارثة سد النهضة، بشرط ألا تتدخل الدولة الحالية في مصر لمساندة النظام الساقط في إثيوبيا، وأضاف الشافعي أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس السوداني عمر البشير، لو أرادا دعم حكم التقراي الحالي، فهذا غير ممكن عمليًّا، لأنها تعارض رغبة الشعب الإثيوبي. وأضاف الشافعي أنه لو حاولت أمريكا الإتيان بوزير الخارجية السابق، برهانه گبره-خريستوس، التقراي والمعادي لأزب مسفن "عضو في البرلمان وأرملة رئيس الوزراء الإثيوپي السابق ملس زيناوي"، فلن يحل ذلك شيئًا، لا بد من التخلص من حكم التقراي. فيما قال البعض إن المفاوضات مع إثيوبيا من الممكن أن تتأثر سلبًا أو إيجابًا وفقًا للشخص الذي سيخلف رئيس وزراء إثيوبيا المستقيل، حيث قالت السفيرة منى عمر، مساعد وزير الخارجية الأسبق للشؤون الإفريقية، إنها تتمنى ألا يخلف ديسالين شخصية، ذات توجه مختلف لاحقًا، مشددة على أن الاستقالة لن تؤثر سلبيًّا على النظام بإثيوبيا، حيث يتمتع النظام بالمركزية الشديدة وقوة الأمن بها. ويرى مراقبون أن تأثير الاستقالة على ملف سد النهضة من عدمه قد يتضح خلال الأيام المقبلة، خاصة عند تشكيل الحكومة الإثيوبية الجديدة، وما إذا كان سيصاحبها مشاكل في التمثيل، وحجم تموضع الأورومو والأمهرة فيها.