باءت محاولات الكيان الصهيوني الاصطياد في المياه العكر، بالفشل في لبنان، الذي شهد بعض التوترات السياسية الداخلية بين جهات سيادية، كالتي حدثت بين وزير الخارجية، جبران باسيل، المحسوب على العماد ميشال عون رئيس الجمهورية، وبين رئيس مجلس النواب، نبيه بري. ومن الواضح أن الساسة اللبنانيين قادرون على تفوت الفرصة على العدو الإسرائيلي، فالخلافات الداخلية لم تؤثر على بوصلتهم الموجهة بدقة نحو الكيان الصهيوني؛ حيث عقد رئيس الجمهورية، ميشال عون، اجتماعًا في قصر بعبدا، مع رئيس مجلس النواب، نبيه بري، ورئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري؛ خصص للبحث في التطورات الأخيرة، لاسيما التهديدات الإسرائيلية، واتفق المجتمعون على الاستمرار في التحرك على مختلف المستويات الإقليمية والدولية، لمنع كيان الاحتلال من بناء الجدار الأسمنتي داخل الحدود اللبنانية مع الأراضي المحتلة، وأكد الرؤساء الثلاثة أن الجدار يشكل انتهاكا للسيادة اللبنانية. وخرج عن الاجتماع اللبناني بيان رسمي بثلاث رسائل مهمة؛ الأولى دعت إلى التوحد في مواجهة اعتداءات كيان الاحتلال الإسرائيلي ضد لبنان ومياهه الإقليمية، من خلال كلام وزير الحرب الصهيوني، أفيجدور ليبرمان، حول ملكية الكيان الصهيوني لبلوك 9 حقل الغاز التابع للبنان. الرسالة الثانية، كانت قطع الطريق أمام أي محاولات للكيان الصهيوني وأطراف أخرى لاستغلال التوتر الداخلي الأخير الذي شهدته الساحة اللبنانية، وأكد الرؤساء الثلاثة على معالجة ما حدث عبر المؤسسات الدستورية، والالتزام بوثيقة اتفاق الطائف وعدم السماح لأي خلاف سياسي بتهديد السلم الأهلي والاستقرار، خاصة أن تحديات كبيرة تواجهها البلاد على المستويات الأمنية والاقتصادية. بينما أكدت الرسالة الثالثة على ضرورة تفعيل المؤسسات الدستورية وتوفير المناخات المناسبة لإجراء الانتخابات التشريعية في شهر مايو المقبل، ومن المرتقب أن يجري عرض سلسلة الإجراءات المرتقبة على المجلس الأعلى للدفاع اللبناني، في اجتماع استثنائي، قبل ظهر الأربعاء. وكان عسكريون لبنانيون وإسرائيليون التقوا، يوم الاثنين الماضي، تحت إشراف قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في اجتماعهم الثلاثي الدوري في مواقع للأمم المتحدة، في منطقة رأس الناقورة الحدودية. وقال الجيش اللبناني في بيان بعد الاجتماع: "عرض الجانب اللبناني مسألة الجدار الذي ينوي العدو الإسرائيلي إقامته على الحدود اللبنانية الفلسطينية"، مؤكدا موقف الحكومة اللبنانية الرافض لإنشائه كونه يمس السيادة اللبنانية، خصوصا أن هناك أراض على الخط الأزرق يتحفظ عليها لبنان. اجتماع القمم الرئاسية اللبنانية بالأمس، لم يكن المؤشر الوحيد على اتجاه الساحة اللبنانية السياسية نحو التعافي التدريجي، فالخلاف بين الرئيس بري، والوزير باسيل، حليفي حزب الله، لم يؤثر على تفاهمات حزب الله والتيار الوطني، فثمة حرص متبادل من الطرفين على حماية التفاهم رغم ما اعترى العلاقة في الأيام الأخيرة من غيوم نتيجة انتقاد رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل لأداء الحزب وعدم مساعدته على بناء الدولة، إذ قال حزب الله في بيان له بمناسبة مرور 12 عامًا على التفاهم مع التيار الوطني الحر، أن التفاهم أثبت نجاحه خلال المراحل التي مر فيها لبنان من عدوان 2006، وصولًا إلى الحرب على الإرهاب، واعتبر أن مفاعيل التفاهم كانت حاسمة في تحقيق الأمن والسلم الأهلي والاستقرار السياسي، وبات نموذجًا يحتذى به في بناء العلاقات بين القوى السياسية. من ناحيته، بادل الوزير باسيل تحية حزب الله بمثلها قائلاً: "12عامًا على تفاهم مار مخايل الذي يقوّي ويحمي لبنان من إرهاب إسرائيل والتكفير ويمنع أي فتنة داخلية، 12 عامًا ونحن نكرّسه عميقًا بين اللبنانيين كي لا يستطيع أحد سلخه، ولن يستطيع، ويبقى الأمل في التعويل عليه لبناء الدولة القوية العادلة". وكانت كنيسة مار مخايل على تخوم الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانيةبيروت، شهدت في 6 من فبراير 2006، توقيع الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، ورئيس التيار الوطني الحر آنذاك، العماد ميشال عون، التفاهم بين الحزبين، الذي نص على 10 بنود، على رأسها اعتبار حماية لبنان وصيانة استقلاله وسيادته مسؤولية وواجب وطني، الوثيقة أكدت أن حمل السلاح ليس هدفًا بذاته وإنما هو وسيلة شريفة مقدسة تمارسها أي جماعة تحتل أرضها، تمامًا كما هي أساليب المقاومة السياسية، وبما أن إسرائيل تحتل مزارع شبعا اللبنانية، وتأسر المقاومين، فإن على اللبنانيين تحمل مسؤولياتهم، وهنا نجد أن الوثيقة التفاهم التي لا تزال سارية المفعول، ستزعج إسرائيل التي تحاول بناء جدار أسمنتي على الحدود مع لبنان، وهنا نجد أن التصرف الإسرائيلي سيعزز من استمرارية التفاهم بين عون وحزب الله. وتصاعد التوتر بين الكيان الصهيوني ولبنان بسبب الخلاف حول الجدار وخطط لبنان للتنقيب عن النفط والغاز في مياه بحرية متنازع عليها، وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي قال في وقت سابق، إن أعمال بناء الجدار تتم على أرض تخضع للسيادة الإسرائيلية، وفي مقابل المزاعم الصهيونية تقول الحكومة اللبنانية إن الجدار يمر عبر أراض تابعة للبنان، لكنها تقع على الجانب الإسرائيلي من الخط الأزرق الذي حددته الأممالمتحدة والذي رسم حدود انسحاب إسرائيل من جنوبلبنان في العام 2000. وتشمل التحركات اللبنانية لتحصين ساحتها الداخلية، تحركات باتجاه الرياض، والتي تجاهر كإسرائيل بضرورة سحب سلاح حزب الله، وحاولت السعودية إحداث فتنة داخلية في لبنان بإجبار الحريري على تقديم استقالته الأمر الذي لم ينجح، بسبب التفاف القوى السياسية اللبنانية وتمسكها بعودة الحريري إلى لبنان، فالأمس وفي سابقة تعد الأولى من نوعها، قرّر القضاء اللبناني، قبول شكوى ضد وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي، ثامر السبهان، بجرم "إثارة النعرات بين اللبنانيين ودعوتهم إلى الاقتتال وتعكير علاقات لبنان بدولة أجنبية". ويأتي هذا التطور بعد يوم واحد على نشر موضوع في صحيفة "إيلاف" يتضمن تهديدات مباشرة للحريري، نقلاً عن "مصدر كبير" أبلغ الموقع أن "مسؤولا سعودياً اتصل بوزير لبناني أخيراً، وأبلغه بأن "هرولة" الحريري إلى تركيا ستكلفه ثمناً باهظاً، لأن المملكة لم تقصّر معه ومع لبنان بكل أطيافه في شيء".