كانت صرخات الصغار التي شقت ليل كيهك أمس نصالا حادة تخترق أذني وتستقر في الجسد ,من البيت المجاور انطلقت الصرخات التي لم أتبين اتجاهها إلا عقب فتح نافذة شقتي لاكتشف ملامح الصراخ واتجاهه .كان الصراخ أتيا من منزل الحاجة أم دعاء التي تبعد عن منزلي بثلاثة بيوت فقط..ثلاثة أطفال صغيرة خرجت من النافذة وعلت صرخاتهم ,واندفعت أنا مرتديا نظارتي على عجل مهرولا ب”مداس البيت “؛لاتبين ماهية الصراخ وسببه . ووجدتني محشورا بين كومة مخبرين ورجل ينادونه ب”مهاب باشا” ,كان الضابط الذي جاء في منتصف الليل وسط حشد المخبرين وجنود الأمن المركزي الذي يظهر على وجوههم الشحوب في مأمورية تنفيذ حكم للقبض على سيدة الدار التي نست أن تقوم بعمل معارضة استئنافية ,ما إن رأتني السيدة حتى تعلقت بيدي تقبلها منتظرة الأستاذ الصحفي يفعل شيئا . استجمعت ما لدي من برود أعصاب وتحدثت مع الرجل الذي بلا قلب عن هذه الأم وأقسمت له بشرفي باني متعهد له في الصباح بالإتيان بالسيدة وان الواجب الإنساني وروح القانون يقتضيان أن تتركها لترضع صغيرها الذي على يديها وتعتني بصغار الدار لان الأب غائب لأسباب ترتبط بلقمة العيش .لكنه كان صلفا وجاحدا جمودا لا يعرفه بشر .بينما أنا متسمر في مكاني عاجز عن أي حراك والسيدة تبكي وعلى يديها الرضيع والأطفال الثلاثة ينفس متداخل وأصوات متقاطعة “والنبي يا عمو رامي ..خليهم يسيبوا ماما والنبي “. في دقائق كانت سيدات حارة أبو شليب بطنطا قد تجمعن واحدة أخذت الأطفال وأنا جررت قدمي بخيبة دون دراية إلى أين اتجه أو أسير .وجاء رجال الحارة يسألوني عما يجب فعله تجاه السيدة التي اختطفتها الشرطة ومعها رضيعها , لم أجرؤ على الكلام ووجدت قدمي تأخذني جهة قسم أول طنطا .ولساعة انتظرت مع رجال الحارة ونسوتهن قدوم الباشا يايراد الليلة . عند بوابة القسم واجهته طلبت منه أن يتعامل بإنسانية فأومأ لي بنظرة استخفاف وقال لي “ماعنديش إنسانية “,ثم دخل . ولما طلبت من حارس القسم الدخول رفض فأبرزت له كارنيه نقابة الصحفيين فسمح لي على مضض وكأنه رفق بحالي وخاف إحراجي أمام الحشد المتجمع أمام القسم .وواصل مهاب باشا صلفه ورفض مقابلتي .ووجدتني في هذه المرة أشعر بغصة في حلقي لم اقدر على ابتلاعها بينما صرخات الرضيع ترن إلى مسامعي لتوقظ آخر معالم الرجولة لدي.وأحسست بضعفي وضعف مهنتي إذا انصرفت دون أن افعل أي شيء لهذا الرضيع ,تناولت هاتفي واتصلت بمحمد سليمان المحامي صاحب التيار القومي ,وأخبرته بالواقعة فطلب مني أن أتوجه إلى الاستيفا وأحرر محضرا لإثبات حالة تواجد رضيع بالقسم , أخذت نفسا ومررت على الحارس الذي منعني بينما أنا واصلت بشيء من الإصرار التوجه إلى استيفا القسم ,وطلبت من النقيب أن أحرر محضرا كوني امتهن الصحافة وأريد إثبات تواجد الرضيع مع أمه في مكان يعرض حياته للخطر ,,,بينما البرد يئز في عظامي فكانما يتضاعف أجراسا لتنبيهي بالم الصغير الذي مازلت اسمعه ,,,واستجاب الضابط الصغير لطلبي ورجاني في مهلة 5 دقائق . ولم تمر سوى دقيقة حتى كان مهاب باشا الهرميل كما يلقبونه امامي ,,وإذ به يقوم بتوجيه كيل من السباب “انت فاكر نفسك ..تعالي هنا ياجدع ...ينعل دين .....اطلع بره ...يا بابن ....انت يا عسكري يا ابن ال...... دخلته ازاي “. للحظات قد فقت من مفاجأة الموقف ووجدتني ابادله صوتا جهوريا واطلب منه ان يخفض صوته ويحترم نفسه ,وإذ بإيهاب باشا الهرميل معاون مباحث قسم اول طنطا يلتحم بي ويشدني من ملابسي ويطردني على بوابة القسم ..وانا اصرخ فيه بين وبينك النقيب وهو يرد “روح في داهية انت والنقيب بتاعك “. لم أشعر بمرارة مثل تلك التى مررت بها وانا عاجز عن اخراج رضيع لينعم برضاعة امه وسط اخواته وعلى فراشه..كان سؤال الرجل الذي يجاورني “هي مش الصحافة سلطة رابعة” بينما انا اعدل من نظارتي وافرك ثيابي من التراب جراء الزج والشد ,,وجدتني للمرة الاولي اشعر بمرارة ورجل الداخلية يلعن الصحافة والنقيب والصحفيين ,,سرت منعزلا ومبتعدا عن الجموع مواريا خيبتي عن البؤساء الذين ظنوا بي درعا لهم ..منسحبا وفي رأسي تتدافع ذكريات العمل صحفيا تحت التمرين وايام الشقاء والصبر لاجل حلم واحد هو التعيين وعضوية النقابة ..ليتني ما سمعت صراخ الاطفال الثلاثة وليتني كنت قابضا على حلمي سابحا في غفوتي لم يخرجني منها مهاب باشا الهرميل “ مواضيع ذات صلة 1. أسير فلسطيني يكتب للبديل من سجن النقب:” حين يرث الفلسطيني زنزانة أبيه ” 2. هزيمة رامي لكح بعد تراجعه عن انسحابه.. وفوز مرشح الاخوان في النزهة .. وخروج حمدي السيد 3. دعوى تطالب بإلغاء ترشيح رامي لكح بسبب عدم تقديمه شهادة الخدمة العسكرية