تحضيرات دقيقة تسير منذ أشهر على قدم وساق، دعوات دولية ومحادثات ماراثونية تجري ليلًا ونهارًا، محاولات لا تنتهي لتهيئة الأجواء لإجراء محادثات بين كافة القوى الفاعلة في سوريا، في محاولة لإنجاح مؤتمر الحوار الوطني السوري، المقرر انطلاقه في مدينة سوتشي الروسية، غدًا الإثنين، في مسعى دولي لوضع نقطة نهاية للمسار السياسي لحل الأزمة السورية، لكن يبدو أن الأوامر والإملاءات الخارجية ستحول دون الوصول إلى هذا الهدف، حيث ظهرت بوادر التعنت والفشل برفض هيئة التفاوض السورية المعارضة. المعارضة تعرقل "سوتشي" أعلن المتحدث الرسمي باسم الهيئة التفاوضية السورية، يحيى العريضي، فجر أمس السبت، عدم مشاركة وفد المعارضة السورية الموحد، في مؤتمر السلام الذي تستضيفه روسيا في سوتشي، وحاول العريضي، تبرير عدم المشاركة بالقول إن "الجولة التي عقدت في فيينا كان يفترض أن تكون حاسمة وأن تمثل اختبارًا للالتزام، لكننا لم نشهد هذا الالتزام وكذلك لم تشهده الأممالمتحدة"، مضيفًا أن "الاجتماع في سوتشي محاولة لتهميش عملية السلام الحالية التي ترعاها الأممالمتحدة"، وأشار العريضي، إلى أنه "من الواضح أن شخصًا ما يعرقل العملية برمتها ويريد أن يهمش جنيف والعملية السياسية بالكامل". قرار الرفض جاء بعد تصويت 24 عضوًا من الهيئة التي تضم منصات القاهرةوموسكووالرياض، برفض الحضور، في حين أعلن رئيس منصة موسكو قدري جميل، الحضور، مؤكدا: "سنحضر باسم منصة موسكو، وليس باسم هيئة التفاوض العليا"، كما أكد حضور منصة القاهرة للمؤتمر أيضًا، قائلًا إن 10 أعضاء من هذه المنصة صوتوا تأييدًا للحضور، الأمر الذي يوضح وجود انقسام وتشرذم جديد داخل هيئة التفاوض نفسها بين المنصات وبعضها. في ذات الإطار، فإن قرار المعارضة السورية التابعة للرياض عدم الحضور يأتي في خضم محاولات عرقلة مبادرات السلام السورية في سوتشي، التي ترعاها روسيا، حيث سبق أن حاولت الولاياتالمتحدة عرقلة عقد المؤتمر في موعده من خلال إعادة الترويج لتقارير بشأن استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية في مجلس الأمن الدولي، وهو ما وصفته وزارة الخارجية الروسية، قبل أيام، بمحاولة من واشنطن الترويج ل"تقارير كاذبة" من أجل عرقلة مبادرات السلام السورية، وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغى ريابكوف، حينها إن الولاياتالمتحدة تروج لتقارير مزورة وغير مؤكدة حول استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، لتعطيل جهود السلام الروسية في البلد الذي يشهد حربًا ضارية منذ سنوات. يبدو أن خروج هيئة التفاوض العليا بشكل مفاجئ لتعلن عدم حضورها المؤتمر، شكل جديد من أشكال محاولات العرقلة الأمريكية الذي تتفق فيها الأخيرة مع حلفائها السعودية وفرنسا وبريطانيا والأردن، ويرى بعض المراقبين أن الموقف الذي اتخذته هيئة التفاوض يتناقض نهائيًا مع مواقف معظم أعضاء الهيئة الذين أبدوا في وقت سابق رغبتهم في المشاركة في مؤتمر سوتشي، الأمر الذي يشير إلى أن الرفض الحالي للحضور فُرض من القوى الكبرى على وفد المعارضة الذي لا يزال يتلقى وعودا سياسية من هذه الدول الداعمة للإرهاب في سوريا. فشل فيينا يلقي بظلاله على سوتشي يأتي الإعلان عن عدم حضور منصة الرياض إلى مؤتمر سوتشي، بعدما فشلت الجولة التاسعة من مفاوضات فيينا التي انتهت أمس السبت بدون نتائج تذكر على غرار سابقتها، باستثناء وثيقة مقترحات قدمتها الولاياتالمتحدة والأردن وبريطانيا وفرنسا والسعودية للمبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، لإحياء مفاوضات جنيف، وتدعو المقترحات إلى توجيه الأطراف للتركيز على إصلاح الدستور وعلى إجراء انتخابات بإشراف من الأممالمتحدة للسوريين في الداخل والخارج، وتهيئة أجواء آمنة وحيادية لإجراء التصويت، كما حددت الوثيقة أهم النقاط والمبادئ التي يجب إصلاحها في الدستور، وتشمل الصلاحيات الرئاسية، وصلاحيات رئيس الوزراء، وشكل البرلمان، واستقلال القضاء، ولا مركزية السلطة، وضمان الحقوق والحريات لجميع السوريين، وإصلاح قطاع الأمن، وكذلك إجراء تعديلات على القانون الانتخابي، فيما حاولت الوثيقة التركيز على إفراغ الرئاسة من معظم صلاحياتها، كما أنها لم تشر إلى مصير الرئيس السوري بشار الأسد، في أمر اعتبره مراقبون إشارة إلى قوة موقفه الراهن في الصراع، بما يجعل مصيره غير قابل للتفاوض. من جانبه، عبر رئيس وفد الحكومة السورية إلى محادثات فيينا، بشار الجعفري، عن رفضه لهذه الوثيقة غير الرسمية، ووصفها بأنها "غير مقبولة على الإطلاق"، مضيفًا أنها تشكل فصلًا من فصول التآمر على سوريا، وتقوض مؤتمر سوتشي ومحادثات جنيف، مشيرًا إلى أن هدف مؤتمر سوتشي هو الحوار بين السوريين من دون تدخل خارجي، فيما قالت منصة موسكو المعارضة إن تسريب ورقة الوثيقة في هذا التوقيت بالذات يهدف للعمل ضد مؤتمر "سوتشي"، واصفة إياها بأنها أشبه "بصك الانتداب الأمريكي ومعادية للحل السياسي"، واعتبرت المنصة أن نقاش مضمون الدستور ليس من صلاحية الأممالمتحدة ولا حتى من صلاحية الأطراف المتفاوضة بل حق حصري للشعب السوري. ماذا عن مصير سوتشي؟ بعيدًا عن الأجواء التشاؤمية التي ألقتها هيئة التفاوض على المحادثات السورية قبل انطلاقها بتأكيدها عدم الحضور، فقد ظلت روسيا متفائلة بإحداث نقلة نوعية في هذا المؤتمر، مُحاولةً إضفاء الروح الإيجابية على باقى الأطراف التفاوضية، وأكد مصدر في الخارجية الروسية، أن مؤتمر سوتشي سيعقد بموعده المقرر، مشددًا على أن رفض وفد هيئة المفاوضات السورية المعارض المشاركة لن يؤثر على انعقاده، قائلًا: كنا نظن أنهم سيشاركون ويقبلون ربما ببعض الوثائق النهائية، ولكن إذا لم يرغبوا في المشاركة سيشارك آخرون غيرهم، هناك 1600 شخص يجب أن يحضروا، وهذا رقم تمثيلي ذو مغزى، كما أن هؤلاء المشاركين يمثلون جميع شرائح المجتمع السوري. في ذات الإطار، فقد سربت بعض التقارير الإخبارية مضمون مسودة البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني، الذي تكون من 12 بندًا، قالت التقارير إنها مثّلت المبادئ نفسها التي قدمها المبعوث الأممي ستفان دي ميستورا، إلى الجولة الثامنة من المفاوضات السورية بجنيف في نوفمبر الماضي، ونصت في مجملها على تشكيل لجنة دستورية بمشاركة وفد النظام السوري، ووفد آخر يمثل طيفًا واسعًا من المعارضة من أجل التحضير لتعديل الدستور برعاية الأممالمتحدة، ووفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، كما نصت المسودة على الالتزام الكامل بسيادة واستقلال سوريا، وأن الشعب وحده من يقرر مستقبل البلاد، ويختار نظامه السياسي بالوسائل الديمقراطية ودون أي ضغوط. ومن بين المبادئ التي جاءت بها المسودة، التأكيد على أن سوريا دولة ديمقراطية غير طائفية تقوم على المواطنة وحماية حقوق الإنسان والحريات في أوقات الأزمات وعدم التمييز في الحقوق، والرفض القاطع لكل أشكال الإرهاب والتطرف والطائفية والالتزام بمكافحتها، فضلًا عن ضمان سلامة النازحين واللاجئين والمهجرين وحقهم في العودة إلى ديارهم. المبعوث الأممي يحسم مشاركته على جانب آخر، وفي مقابل موقف المعارضة السورية الرافض لحضور مؤتمر سوتشي والساعي إلى إفشال أي جهود تفاوضية لإنهاء الأزمة، فقد حسم المبعوث الأممي الخاص في سوريا دي ميستورا، موقفه، وأعلن مكتبه الإعلامي أنه سيحضر المؤتمر، وذلك بعدما قدمت روسيا دعوة للأمم المتحدة لحضور مبعوثها ردًا على تشكيك بعض الدول العربية والغربية غير الراغبة في إمساك موسكو بزمام العملية التفاوضية في الأزمة السورية، في أن مؤتمر سوتشي هو محاولة لخلق عملية سياسية منفصلة تقوض جهود الأممالمتحدة، وتضع الأساس لحل مناسب أكثر لحكومة بشار الأسد. على الرغم من الأجواء الروسية التفاؤلية وتأكيد منصتي القاهرةوموسكو على حضور المؤتمر إضافة إلى العديد من الدول العربية والأجنبية وممثلين عن مجلس الأمن والأممالمتحدة، فإن المؤشرات الحالية توحي بأن هذه المحاولة التفاوضية الجديدة ستجد نفس مصير الجولات السابقة سواء في فيينا أو جنيف، والتي لم تحرز أي تقدم بين الأطراف المتحاربة لإنهاء الأزمة السورية، ليبقى الصوت الأعلى للحسم الميداني، فالمفاوضات لا تزال تراوح مكانها دون إحداث أي خرق يذكر في الأفق، لتبقى الجلسات التفاوضية مضيعة للوقت في مقابل التقدم والانتصارات السورية في ميدان المعركة.