رحل الدكتور حسين نصار شيخ المحققين في العالم العربي ورئيس اللجنة العلمية لمركز تحقيق التراث بدار الكتب عن عمر يناهز الثانية والتسعين عامًا، ويستقبل مسجد السيدة نفيسة بعد صلاة عصر اليوم جنازة صاحب الجوائز الفكرية في مصر والعالم العربي، بعد أن استقبل ظهر اليوم جنازة الفنانة شادية، التي وافتها المنية مساء أمس. ولد نصار في حارة كوم بهيج بمدينة أسيوط يوم 25 أكتوبر سنة 1925م، وحصل على ليسانس الآداب بمرتبة الشرف الثانية من قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة سنة 1947م، كما حصل على الماجستير من نفس القسم سنة 1949 عن موضوع «نشأة الكتابة الفنية في الأدب العربي»، وحصل على الدكتوراه من نفس القسم سنة 1953 عن موضوع «المعجم العربي نشأته وتطوره». انتمى نصار إلى عدد من الهيئات الثقافية والعلمية، منها الجمعية اللغوية المصرية والجمعية الأدبية المصرية، وشغل منصب الرئيس في كل منهما، كما أنه عضو في الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العلمية، ولجنة الدراسات الأدبية واللغوية في المجلس الأعلى للثقافة، ومقرر المجلس القومي والآداب والإعلام واتحاد الكتاب، وله الكثير من المؤلفات، منها 9 كتب مترجمة وكتابات حول نشرة الكتابة الفنية في الأدب العربي ومعجم آيات القرآن. حصل حسين نصار على أرفع الجوائز الفكرية في مصر والعالم العربي، ومن بينها جائزة الدولة التقديرية في الآداب، 1968 م، جائزة الملك فيصل العالمية في الآداب، 2004م، جائزة الرئيس مبارك في الآداب، 2006م. سمي بشيخ المحققين لدوره الرائد في تحقيق التراث، وأول عمل حققه كان "ديوان سارقة البارقي" وكان نصار طالبًا وقتها، ثم تابع تحقيق التراث الذي بلغ رصيده فيه 24 كتابًا من أمهات الكتب وعيون التراث، ففي مجال النثر حقق عددًا من النصوص التاريخية الأدبية والرحلات، منها «النجوم الزاهرة في حلى حضرة القاهرة» لعلي بن موسى بن سعيد المغربي، وهو الجزء الخاص بالقاهرة من موسوعة ابن سعيد، «المتوفى سنة 685ه»، وبه يكتمل القسم الذي أفرده المؤلف الأندلسي لمصر. وحقق أيضًا «ولاة مصر» لمحمد بن يوسف الكندي (ت 350) واعتمد في تحقيقه على النسخة المخطوطة الوحيدة المحفوظة في المتحف البريطاني، وعلى المطبوعة التي أنجزها روفن كست، غير أن هذه المخطوطة كانت حافلة بالأخطاء؛ مما دفع نصار لإعادة نشرها وتصحيح ما وقع فيها من أخطاء، وقد قدم لها بمقدمة تحدث فيها عن الكندي ومؤلفاته ومنهجه في التأليف والرواة الذين اعتمد عليهم في كتابه. ويبدو في هذه النشرة الجديدة ما تكبده المحقق من عناء في عمله. وفي تحقيقه ل«رحلة ابن جبير»، وهو من أهم كتب الرحلات العربية وأغزرها فوائد، حيث قام الرحالة الأندلسي برحلة من ساحل الأندلس بحرًا حتى الإسكندرية، ثم جاب بلاد المشرق وفلسطين والشام والعراق ومصر، وحققت هذه الرحلة لأول مرة عام 1852، وقام بها وليم رايت، معتمدًا على النسخة الوحيدة الموجودة في مكتبة جامعة ليدن هولندا، وطبعت نقلاً عن الأوروبية في نشرة سقيمة مشوهة، وقام حسين نصار بإعادة نشر الرحلة، بعد أن حصل على نسخة مخطوطة أخرى في المغرب، وأتم مقابلتها وتصحيحها، وألحق بها الفهارس المفصلة، ومنها الجزء 24 من كتاب «نهاية الأرب في فنون الأدب» لشهاب الدين النويري. كما تشهد ترجماته لأبرز المستشرقين بتمكنه، ومنها كتاب "المغازي الأولى" للمستشرق يوسف هورفتس عام 1949م، و"دراسات عن المؤرخين العرب" للمستشرق مرجليوث، و"أرض السحرة" لبرنارد لويس، و"ابن الرومي حياته وشعره " للمستشرق روفون جت، ولم يكتفِ بالترجمة، بل كان يرجع إلى المصادر العربية، سواء المطبوعة أو المخطوطة، التي تناولها المستشرقون في أعمالهم.