أثلجت التحركات الكويتية الأخيرة تجاه القضية الفلسطينية صدور العرب والمسلمين المتعطشة لأي موقف دبلوماسي عربي رافض للاحتلال الصهيوني الذي أتى على البشر والشجر والحجر، فمن موقف رئيس مجلس الأمن الكويتي، مرزوق الغانم، وطرده للوفد الإسرائيلي من قاعة اجتماع اتحاد البرلمان الدولي شهر أكتوبر الحالي، إلى أول مؤتمر خليجي لمقاطعة الكيان الصهيوني في الكويت. وتنظم حركة مقاطعة "إسرائيل" في الخليج، مؤتمر مقاومة التطبيع، وتحت رعاية مرزوق الغانم، وباستضافة الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية، في 17 من نوفمبر المقبل في الكويت، وسيطرح المؤتمر عدة قضايا وتحديات تواجه حركات مقاطعة الاحتلال في الخليج العربي، وسبل تعزيز وتكثيف حملات المقاطعة بشكل فعال وممنهج، بالإضافة إلى توعية شباب المنطقة بالنضال العربي الفلسطيني المشترك وأهمية المقاطعة وكيفية المساهمة فيها. ويسعى المؤتمر لإبراز مخاطر التطبيع، ويؤكد على دور شعوب المنطقة في الدفاع عن أوطانها من مطامع المشروع الصهيوني الذي يهدد المنطقة العربية كافة، وعلى مختلف المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وسيتم عقد ورشة عمل لحركات ومؤسسات مقاومة التطبيع في الخليج بهدف تعزيز العمل المشترك وتنسيق الجهود بين الجهات الناشطة وتفعيل أداة المقاطعة الممنهجة على المستوى الإقليمي. وتبقى هناك ضبابية في المشهد الكويتي؛ فالتحركات الكويتية الجديرة بالإشادة ضد المحتل الإسرائيلي في الآونة الأخيرة، تتزامن مع تعاظم في العلاقات الكويتيةالأمريكية على خلفية الوساطة الكويتية التي تجريها لحلحلة الأزمة الخليجية، الأمر الذي قد يطرح العديد من علامات الاستفهام، فالأزمة الخليجية بين الدول العربية المتناحرة تحمل في طياتها علاقة بملف المقاومة، فالسعودية تطلب من قطر وقف دعم حماس كأحد الشروط لفك المقاطعة عنها. كما أن الدول العربية المتخاصمة والتي تسعى الكويت لإعادة لحمتها بمباركة أمريكية تحمل في جوفها مشروعا للقضاء على المقاومة، إما من خلال الحديث عن تشكيل الناتو الإسلامي الذي سيضرب حركات المقاومة بشكل غير مباشر من خلال مهاجمة هذا الناتو للدولة التي تدعم حماس وحزب الله وهي إيران، ويبدو أن الأزمة الخليجية الأخيرة لعبت دورًا في تفكيك هذا الناتو أو في تأخيره على الأقل، كما أن هذه الدول ومن ضمنها بعض الدول الخليجية كالسعودية والإمارات وقطر لا تمانع بشكل مباشر وصريح من تمرير ما يسمى بصفقة القرن، وبصرف النظر عن النوايا الحسنة للكويت في توحيد الصف العربي، إلا أن واشنطن تسعى من خلال الوساطة الكويتية لرأب الصدع بين حلفائها الخليجيين لتستخدمهم في ضرب البنية التحتية للمقاومة. ويثمن بعض المراقبين التحركات الكويتية الأخيرة ضد الغطرسة الإسرائيلية، ويعتبرونها نقلة نوعية في السياسة الكويتية، إذا ما سارت باتجاه دعم حركات المقاومة في المنطقة العربية، خاصة إذا ما تم الأخذ بعين الاعتبار أن هناك توترات جمعت بين الكويت وبعض حركات المقاومة العربية المناهضة للاحتلال الصهيوني، ففي يوليو الماضي سلمّت الكويت مذكرة احتجاج رسمية للحكومة اللبنانية، دعتها فيها إلى "تحمل مسؤولياتها" تجاه ما وصفته ب"الممارسات غير المسؤولة" لحزب الله، فيما يُعرف ب"خلية العبدلي". من جهته، نفى الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في شهر أغسطس الماضي علاقة الحزب بما يعرف بخلية العبدلي في دولة الكويت، وأكد: "نحن حريصون على الكويت وعلى أمنها وعلى العلاقات معها وحاضرون لمناقشة أي التباس، وحاضرون لأي نقاش مع الكويت عبر القنوات الدبلوماسية بعيدا من أي توظيف نكدي أو كيدي". وبالعودة إلى التوقيت، نجد أن التحركات الكويتية الأخيرة مهمة، وتأتي في الوقت الذي تسعى فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية لجر دول الخليج لتطبيع علاقاتهم مع الكيان الصهيوني، الأمر الذي شهد تطورًا ملحوظًا؛ فالسعودية والإمارات والبحرين أصبحوا يعلنون علاقاتهم مع العدو الإسرائيلي، ودولة مثل قطر، طبعت منذ سنوات علاقاتها مع تل أبيب عبر البوابة الاقتصادية والزيارات العلنية لشيمون بيريز لقناة الجزيرة. ومن هنا، يجب دعم الموقف الكويتي المناهض للاحتلال، إذا كان يحمل بالفعل قضية صادقة ومحقة لقضايا الأمة العربية والإسلامية، خاصة إذا استطاعت الكويت العمل خارج البيئة الأمريكية التي تدعم الكيان الصهيوني، فواشنطن لديها قواعد عسكرية في الكويت، فبحسب بعض التقارير، يرابط بالكويت حوالي 130 ألفا من الجنود ومشاة البحرية الأمريكية، إلى جانب أكثر من ألف دبابة وعدة مئات من الطائرات المقاتلة والمروحيات. ويرى مراقبون أن المعيار الأساسي في التفاؤل أو التشاؤم من تحركات الدول العربية في دعمها للقضية الفلسطينية من عدمه، يكمن في الأفعال لا الأقوال، فتركيا وعبر رئيسها رجب طيب أردوغان، وجهت العبارات الرنانة ضد الكيان الصهيوني في مؤتمر دافوس 2013، ووصفهم بالقتلة، وأرسل مرمرة لسواحل غزة المحاصرة، ليعود بعدها في 2016 ويطبع العلاقات معه، كما أن قطر دعمت حزب الله إعلاميًا في عام 2006 وماديًا بعد انتهاء الحرب من خلال الأعمار، لتعود بعدها لتتباهى بعلاقاتها مع العدو الإسرائيلي. ولا يتمنى أحد أن تكون الكويت بديلا عن الورقة القطرية المحروقة في منطقة الخليج، التي كانت ترفع شعارات داعمة للمقاومة، وبعد ذلك باتت تطبع علاقاتها مع الكيان الصهيوني، خاصة أن الكويت ترتبط بشخصية حنظلة التي ابتدعها الفنان الفلسطيني المقاوم، ناجي العلي، لتعبير عن مآسي الشعب الفلسطيني، حيث ظهر رسم حنظلة في الكويت عام 1969م في جريدة السياسة الكويتية.