سلسلة جديدة من التفجيرات الإرهابية حولت ليل العاصمة الصومالية مقديشو إلى نهار، ويبدو أن هذه التفجيرات التي تبنتها حركة الشباب الصومالية ما هي إلا رسالة سياسية إلى الحكومة والرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو، الذي سبق أن أعلن عن "حرب انتقامية" في مواجهة هذه الحركة التي أصبح تمددها في إفريقيا لافتًا ومثيرًا للجدل، لكن يبدو أن هذه الحرب لم تؤت ثمارها بعد. مقديشو تشهد إرهابًا جديدًا لقي ما لا يقل عن 25 شخصًا حتفهم وأصيب 30 آخرون، عندما انفجرت سيارتان مفخختان إحداهما بالقرب من المسرح الوطني، والأخرى بالقرب من البرلمان الصومالي، أمس السبت، وقام مسلحون بمهاجمة واقتحام فندق "ناسا هابلود2" في العاصمة الصومالية مقديشو، وذكرت الشرطة أن المسلحين فرضوا، في أعقاب الانفجارين، حصارًا على الفندق الذي يحظى بشعبية في أوساط المسؤولين الحكوميين، وقال ضابط الشرطة محمد ضاهر، إنه تم إنقاذ أكثر من 30 شخصًا في وقت لاحق من بينهم وزير حكومي ورجل دين بارز، فيما قتل نائب الوزير السابق للثروة الحيوانية عبد الناصر محمد جارانى، بالإضافة إلى أحد كبار مفوضي الشرطة محمد حسين فانه. وأكد الضابط ضاهر، أنه خلال فترة الحصار التي استمرت 12 ساعات وانتهت صباح اليوم الأحد، قام أحد المسلحين بتفجير نفسه مما أدى إلى سقوط عدد لا يزال غير محدد من الضحايا بين قوات الأمن، فيما قال المسؤول بالاستخبارات الحكومية الصومالية محمد حسن، إن الكهرباء انقطعت عن الفندق، في الوقت الذى تحاول فيه قوات الأمن قتال عدد غير معروف من المسلحين، وأضاف: بات المكان مظلمًا فيما استمر الهجوم بين قوات الأمن والمجموعات الإرهابية المتحصنة بالفندق. من جانبها أعلنت حركة الشباب الصومالية المتطرفة، عبر محطة إذاعية تابعة لها، مسؤوليتها عن الهجوم الذي هز جميع أرجاء مقديشو، فيما قالت مصادر شرطية إنه تم القبض على بعض المهاجمين أحياء بينما قتل آخرون بالرصاص، ويعتقد أن ما لا يقل عن 5 إرهابيين شاركوا في الهجوم. من جانبه أصدر الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو، بيانًا أمس السبت، أكد فيه على أن الحادث لن يمنع حكومته من التصدي للإرهابيين، وأضاف: أشاطر الأسر والأصدقاء حزنهم، وها نحن نشهد هجومًا مميتًا جديدًا هنا في مقديشو. هجمات متقاربة الجدير بالذكر أن هجوم مقديشو الأخير يأتي بعد أسابيع قليلة من هجوم مماثل ولكن أكثر دموية ضرب العاصمة الصومالية أيضًا، في الرابع عشر من أكتوبر الجاري، وذلك حينما تم تفجير شاحنة ملغومة بشارع مزدحم في مقديشو، في أسوأ هجوم تشهده البلاد على الإطلاق، وأدى حينها إلى مقتل أكثر من 358 شخصًا، وحملت الحكومة الصومالية مسؤوليته لحركة الشباب أيضًا. عقب الهجوم الذي وقع في الرابع عشر من أكتوبر، خرج عشرات الآلاف من المواطنين إلى الشوارع للمطالبة بالقضاء على حركة الشباب، الأمر الذي دفع الرئيس فرماجو، للتعهد بالقضاء على الحركة المرتبطة بتنظيم القاعدة، والتي تسعى لإقامة دولة إسلامية في الصومال، وذلك في محاولة لتهدئة الشارع، لكن يبدو أن تفجير مقديشو الأخير جاء ليبعث برسالة إلى الرئيس والحكومة للتأكيد على قدرة المتطرفين على شن هجمات دامية في قلب المدينة على الرغم من المحاولات الحكومية للسيطرة على الحركة. بين داعش و"الشباب" في الوقت الذي يتقهقر فيه تنظيم "داعش" الإرهابي في معظم دول الشرق الأوسط وخاصة سوريا والعراق، ويفقد نفوذه وسيطرته على العديد من المناطق الاستراتيجية هناك، يتحول التنظيم الإرهابي بأذرعه الدولية والإقليمية إلى وحش يحاول تنفيذ العديد من العمليات الإرهابية في مختلف الدول سواء الإفريقية أو الغربية للإعلان عن نفسه من جديد، وتكوين بؤر إرهابية جديدة قد تكون نقطة الانطلاق فيما بعد، الأمر الذي يُدخل التنظيم في حرب وجودية مع حركة الشباب الصومالية الناشطة بشكل كبير في العاصمة مقديشو وكينيا المجاورة. خلال الفترة الأخيرة استقطب تنظيم داعش الإرهابي العديد من مقاتلي حركة الشباب الصومالي بشكل مغر، وذلك من خلال توفير حياة أسهل لهؤلاء الشباب وخفض الضرائب عنهم والسماح لهم بتعاطي المخدرات وإغراءات أخرى كثيرة دفعتهم إلى تفضيل داعش عن حركة الشباب، الأمر الذي بث القلق في نفوس قيادات الحركة من خسارة مناطق نفوذهم فبدأت في تغيير استراتيجيتها القتالية. ويرى مراقبون أن حركة الشباب الصومالية قد تتبنى نهجًا جديدًا في عملياتها الإرهابية القادمة، تمتاز باقتراب الفترة الزمنية بين العملية والأخرى لإفشال أي تقدم اقتصادي أو سياسي قد تسعى إليه الحكومة الصومالية والنظام الجديد، وملء الثغرات التي قد تستغلها داعش للتمدد على حساب "الشباب"، وفي الوقت نفسه رأى البعض أنه من المتوقع أن تتجه الحركة في المستقبل القريب نحو التوسع في الغرب الإفريقي، بالإضافة إلى مدن متفرقة من كينيا لتوسيع دائرة نفوذها، فالحركة تشن في الوقت الحالي هجمات منتظمة في محاولة للسيطرة على أجزاء كبيرة من الصومالوكينيا المجاورة لها.