مناورات ومحاولات لم تنتهِ من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لحث الدول الموقعة على الاتفاق النووي مع إيران على تمزيقه وعدم الالتزام بشروطه، حتى إن "ترامب" اتخذ مؤخرًا من المحافل الدولية منبرًا لشن هجمات وانتقادات والتهويل من خطر هذا الاتفاق؛ في محاولة حثيثة لجذب بعض الدول إلى صفوفه والاتفاق على الإخلال بالاتفاق النووي، لكن يبدو أن ترامب أدرك مؤخرًا أنه يغرد وحيدًا بعيدًا عن السرب الدولي، الذي يرى في الاتفاق النووي أهمية كبرى. ترامب يغرد خارج السرب لم يترك الرئيس الأمريكي مناسبة لتشويه الاتفاق النووي لم يستغلها، فمنبر الأممالمتحدة خير شاهد على ذلك قبل أقل من أسبوعين، حينما استغل ترامب كلمته في الدورة ال72 للأمم المتحدة، وقال "إن الاتفاق النووي الذي وقع بين دول 5+1 وإيران محرج بالنسبة لأمريكا"، منتقدًا النظام الإيراني الذي وصفه ب"القاتل"، مشددًا على أنه "لا يمكننا أن نسمح لنظام من القتلة أن يستمر في أفعاله هذه المخلّة بالاستقرار، بينما يبني صواريخ خطرة، ولا يمكننا الالتزام باتفاقية تؤمن غطاء لتطوير برنامج نووي". خطاب ترامب الذي توقع أن يمكّنه من إقناع الدول الأوروبية والغربية الموقعة على الاتفاق مع إيران بضرورة انتهاكه لم يحدث جديدًا في مواقف الدول المتمسكة بالاتفاق، بل انعكس بالسلب على الرئيس الأمريكي نفسه، حيث أظهر هذا الخطاب العدائي "ترامب" وكأنه يغرد خارج السرب الدولي، ويطلق التهديدات المرفوضة، ليس فقط من جانب إيران، وإنما من جانب حلفائه الأوروبيين والغربيين، كما أنه قد دفع العديد من الدول الشريكة في الاتفاق أمثال ألمانياوفرنساوبريطانياوروسيا والصين إلى توجيه سيل من الانتقادات للرئيس الأمريكي. تحدٍّ دولي جديد لترامب رد الفعل الفرنسي كان الأول والأقوى على تصريحات ترامب، حيث أكد الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، خلال كلمته التي جاءت بعد دقائق من كلمة "ترامب" في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأن عدم احترام الاتفاق النووي مع إيران سيكون دليلًا على انعدام المسؤولية، وتابع ماكرون: أبلغت أمريكاوإيران أن عدم احترام الاتفاق النووي قد يؤدي إلى حريق في المنطقة، وأضاف: فرنسا تتمسك بالاتفاق النووي مع إيران، والذي يعد متينًا وقابلًا للتحقق، مشددًا على أن "رفض الاتفاق النووي دون إعطاء بدائل هو خطأ كبير، ودليل على انعدام المسؤولية"، مضيفًا: المفاوضات تظل هي الحل الأساسي لكل الأزمات. في ذات الإطار حذر وزير الخارجية الألماني، زيجمار جابريل، في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، من اتباع سياسة "الأنانية الوطنية"، مؤكدًا مجددًا على التزام ألمانيا بالاتفاق النووي الإيراني، واعتبر أن الانسحاب من الاتفاق سيجعل من الصعب التوصل إلى اتفاق مع كوريا الشمالية حول برنامجها النووي، وتابع: ما من دولة ستوافق على التراجع عن برنامجها النووي، إذا تبين أن اتفاقًا لن يتم احترامه ولا يستحق الورقة المكتوب عليها. من جانبه أكد وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، خلال اجتماع لوزراء خارجية الدول الست وإيران، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي عقدت في مدينة نيويورك، وتم خلاله استعراض التقرير الأخير للمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، يوكيا أمانو، الذي يؤكد امتثال إيران الصارم لالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي، أن موسكو ستواصل بثبات دعم خطة العمل المشتركة بشأن البرنامج النووي الإيراني، أي اتفاق فيينا الذي وضع حدًّا لبرنامج طهران النووي مقابل رفع العقوبات عنها، وأضاف إن هذا يخلق ظروفًا مواتية، لضمان التنفيذ الكامل للفرص، التي يفتحها هذا الاتفاق في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية. كما أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن موسكو ترفض محاولات تغيير الاتفاق النووي الإيراني، مؤكدة أن عدم التزام واشنطن الاتفاق قد يضرّ الوضع حول كوريا الشمالية، فيما قال مدير قسم وزارة الخارجية الروسية لشؤون عدم انتشار الأسلحة، ميخائيل أوليانوف: إذا استمرت الولاياتالمتحدة في هذا الطريق، فإن ذلك سيكون مثالًا سيئًا لكوريا الشمالية، وأضاف أوليانوف: أعتقد أن ذلك سيؤدي إلى تصعيد الوضع في المنطقة، مؤكدًا أن مثل هذا التطور غير مقبول بالنسبة إلى موسكو. السفراء الأوروبيون يحذرون واشنطن مواقف الدول الأوروبية الداعمة للاتفاق النووي كررها سفراؤها في واشنطن خلال جلسة نقاش للجنة تابعة للمجلس الأطلسي، عقدت الاثنين الماضي، حيث حذّر سفراء بريطانياوفرنساوألمانيا والاتحاد الأوروبي لدى الولاياتالمتحدة، واشنطن من نسف الاتفاق النووي مع إيران، وأعلن السفراء تأييدهم القوي له، ما دامت طهران تواصل التزامها به. وقال مبعوث الاتحاد الأوروبي في واشنطن، ديفيد أو سوليفان: نتفق على أن التخلّي عن هذا الاتفاق سيكون خسارة كبيرة، فيما أشار السفير الألماني، بيتر فيتيغ، إلى أن من يؤيد التراجع عن الاتفاق، عليه أن يفكر في قضايا أكبر، منها زيادة خطر أن تستأنف إيران عمليات التخصيب وخطر اندلاع سباق تسلّح نووي في منطقة غير مستقرة، والتأثير المحتمل في الجهود الدولية لمنع الانتشار النووي، وتساءل "فيتيغ" عن الرسالة التي يرسلها هذا الأمر لدول مثل كوريا الشمالية، مجيبًا بأنه "سيبعث بإشارة مفادها أنه لا يمكن الاعتماد على الدبلوماسية، وأنه لا يمكن الوثوق بالاتفاقيات الدبلوماسية، وهذا سيؤثر في اعتقادي على مصداقيتنا، عندما لا نفي باتفاق لم تنتهكه إيران"، كما شدد السفراء الأوروبيون على أنه في حالة انسحاب واشنطن من الاتفاق، سيبذلون كل ما في وسعهم لحماية أي شركة في أوروبا، تستمر في التعاون مع إيران، من إعادة تطبيق العقوبات الأمريكية. في ذات الإطار أشار السفير البريطاني، كيم داروتش، إلى أن ترامب ورئيسة وزراء بريطانيا، تيريزا ماي، خصصا نحو نصف مباحثاتهما لموضوع إيران، عندما اجتمعا في نيويورك، لكن ترامب لم يكشف عن قراره، وأضاف أن ماي شرحت مجددًا أسباب دعم بريطانيا للاتفاق النووي، حيث تنظر إلى الأمر على أنه مسألة أمن قومي، فيما أشار السفير الفرنسي، جيرار أرو، إلى أن الدول الأخرى الموقعة على الاتفاق وهي روسيا والصين وإيران، أوضحت أنها لن تؤيد إعادة التفاوض.