لاتزال إسرائيل تحاول بكافة الطرق إطاله أمد الأزمة السورية، لتبقى المقاومة السورية واللبنانية إضافة إلى إيران منشغلين بهذه الأزمة عن إسرائيل وممارساتها الإجرامية وتصفية حساباتهم مع هذا الكيان المحتل، وهو ما دفع الاحتلال إلى خوض محادثات وزيارات ماراثونية إلى أمريكا تارة وروسيا تارة أخرى، للبحث عن ثغرة جديدة يمكن من خلالها إشعال فتيل الأزمة السورية من جديد بعد أن اوشكت على الانطفاء، أو على الأقل تأمين وجود حليف قوى يضمن لها الاستقرار وعدم تمدد النفوذ الإيراني أو السوري على حدودها. المؤشرات والتصريحات الصهيونية سواء من المسئولين أو من وسائل الإعلام العبرية تؤكد أن الاحتلال ينتفض رعبًا كلما قاربت الأزمة السورية على الانتهاء، أو حقق الجيش السوري تقدم جديد بمساندة القوات الإيرانية والروسية، وقد ظهر ذلك جليًا بعدما اتفق الجانبان الأمريكي والروسي على وقف إطلاق النار في الجنوب السوري، حيث أبدت إسرائيل تحفظاتها حينها في محادثات عدة أجرتها مع الجانب الأمريكي والروسي والفرنسي، فقد قال رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إن إسرائيل تعارض بشدة اتفاق وقف إطلاق النار في جنوبسوريا لأنه يرسخ الوجود الإيراني في سوريا، وطالب نتنياهو حينها بإقامة منطقة عازلة من أجل إبعاد قوات إيران وحزب الله عن الحدود بين سورياوالأردن وعن هضبة الجولان المحتلة، كذلك تحفظت إسرائيل على أن قوات الجيش الروسي هي التي ستطبق وقف إطلاق النار في مناطق عازلة قريبة من الجولان المحتل والحدود مع الأردن، حيث تعتبر حليفة للقوات السورية بقيادة "بشار الأسد". فشل إسرائيل في أمريكا يبدو أن المحادثات الإسرائيلية مع طرفي الاتفاق الروسي والأمريكي لم تؤتي أكلها، وهو ما ظهر في قنوات دبلوماسية هادئة ولم يعلن عنه صراحة، الأمر الذي دفع نتنياهو ومسئولين صهاينة إلى زيارة الولاياتالمتحدةوروسيا لإعادة الضغط على الطرفين، حيث أرسلت إسرائيل مؤخرًا وفدًا أمنيًا إلى واشنطن برئاسة رئيس الموساد "يوسي كوهِن" وشارك فيه كل من رئيس الاستخبارات العسكرية اللواء "هرتسي هليفي"، ورئيس الهيئة السياسية الأمنية في وزارة الأمن "زوهر بلطي"، ونائب رئيس مجلس الأمن القومي "إيتان بن ديفيد" كما شارك في اللقاءات السفير الإسرائيلي لدى واشنطن "رون دريمر"، وأجرى الوفد سلسلة لقاءات مع قادة أجهزة الاستخبارات الأمريكية ومجلس الأمن القومي ومبعوث الرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط، في إطار محاولاتها لإقناع الإدارة الأمريكية بالتحرك ضد إيران وحزب الله. بهدف التأثير في الموقف الأمريكي، أكد مسؤولون كبار في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية لصحيفة "يديعوت أحرونوت" أن الوفد الإسرائيلي قدّم معلومات استخبارية حساسة بشأن القوات الإيرانية ومحور المقاومة في سوريا، إلا أن الأنباء تؤكد أن الوفد فشل في هذه مهمته، بسبب خشية أمريكا من التورط أكثر في المستنقع السوري، وفي أعقاب هذا الفشل اضطرت إسرائيل للتحرك باتجاه روسيا لإقناعها بالتأثير على إيران وحزب الله للخروج من سوريا. بعد أيام من الزيارة الإسرائيلية لأمريكا، أرسلت تل أبيب وفدًا أمنيًا إلى الكرملين للقاء الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لنفس الغرض الذي زار بسببه الوفد الإسرائيلي واشنطن، حيث ألتقى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الرئيس "بوتين"، وقد كشفت صحيفة "تايمز أوف موسكو"، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي سعى خلال اللقاء للحصول على دعم روسيا في الملف السوري، وبالتحديد أن تكون موسكو أداة ضغط على الرئيس السوري بشار الأسد لكبح جماح إيران في المنطقة، وأشارت الصحيفة إلى أن نتنياهو يعتمد في هذا على فرصة العلاقات الجيدة بين إسرائيل وروسيا، والتي ساهم في تحسنها فترة رئاسة أوباما التي اتسمت بالبرود تجاه إسرائيل، بحسب الصحيفة. تنازلات إسرائيلية على غرار ما فعله الوفد الأمني الإسرائيلي في أمريكا، فقد حاولت إسرائيل تقديم بعض التنازلات بهدف التقرب إلى روسيا والتأثير على موقفها، حيث أبدى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خلال زيارته إلى مدينة سوتشي الروسية، الأربعاء الماضي، الدعم الإسرائيلي للمشاركة الروسية في مشروع متحف "سوبيبور" في بولندا لتخليد ذكرى ضحايا المحرقة النازية، والذي سبق أن أعلنت بولندا في يوليو الماضي أن اللجنة قررت مواصلة تنفيذ المشروع دون مشاركة روسيا، الأمر الذي وافقت عليه تل أبيب وأثار امتعاض موسكو. ردت موسكو على إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي عن الدعم الإسرائيلي لمشاركة روسيا في مشروع، بالتعبير عن ارتياحها للقرار، حيث قالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، التي سبق لها أن اتهمت إسرائيل ب"الخيانة التاريخية" بعد أن التزمت الصمت إزاء استبعاد روسيا من هذا المشروع الذي يقام في أراضي بولندا، إن إعلان نتنياهو هو إشارة مهمة موجهة إلى اللجنة الدولية التي تدير المشروع، بشأن ضرورة العودة إلى مناقشة مشاركة روسيا كاملة الحقوق في تجديد المتحف. في ذات الإطار، فقد سلطت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا"، الضوء على الهدف من مشاركة رئيس الموساد في مفاوضات بوتين ونتنياهو، حيث نقل "كوهين" إلى القيادة الروسية معلومات استخبارية سرية تشير إلى أن إسرائيل لا تدق طبول الخطر عبثًا، وإن بوتين بناء على هذه المعلومات، يجب أن يتفهم أكثر موقف إسرائيل ويتخذ قرارات صائبة، وحاول كوهين أن يقنع القيادة الروسية بأن الخطر الإيراني لا يهدد إسرائيل فحسب بل روسيا أيضًا. على الرغم من التنازلات الإسرائيلية التي قدمها كلا الوفدين لأمريكاوروسيا إلا أن المؤشرات تشير إلى أن نتنياهو عاد إلى تل أبيب بخفي حنين، فزيارته إلى موسكو لم تختلف كثيرًا عن تلك التي قام بها في مارس الماضي لنفس الأسباب تقريبًا ولم يحقق خلالها أي تقدم أو أهداف، وعلى الرغم من ذلك إلا أن إسرائيل لاتزال تعول على روسيا في تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا خاصة مع انشغال الإدارة الأمريكية والرئيس "ترامب" مع كوريا الشمالية أكثر من سوريا والنفوذ الإيراني، وهو ما اعتبرته إسرائيل تسليم أمريكي لمفاتيح الأزمة السورية إلى موسكو.