في يوم الاثنين الماضي بدأ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي زيارته لتنزانيا، في مستهل جولة إفريقية تستغرق 4 أيام، يزور خلالها كلاًّ من تنزانيا، ورواندا، والجابون، وتنتهي غدًا الخميس في تشاد. وتأتي جولة الرئيس المصري الإفريقية بعد ثلاث سنوات من توليه مقاليد الحكم، الأمر الذي يراه متابعون قرارًا متأخرًا لكنه جيد، فتنزانيا هي إحدى دول حوض النيل العشر، وبالنسبة للجابون فعلى الرغم من أهميتها فهي تشكل امتدادًا لمصر في القارة السمراء، إلا أن مراقبين يقولون بأنه قرار غير صائب، وينم عن عدم دراية وانسياق وراء الغرب بدون تفكير، ويعللون ذلك بوجود دول إفريقية أخرى ذات أولوية تكتيكية على سلم الدبلوماسية المصرية، خاصة فيما يتعلق بدول حوض النيل وملف سد النهضة الإثيوبي. أهداف الجولة الإفريقية لتقييم نجاح الزيارة من عدمها لا بد أولًا من معرفة أهداف الجولة الإفريقية، ومن ثم تقييم نتائجها، فتحركات الرئيس المصري تأتي في إطار تعزيز التعاون الثنائي مع دول القارة، ولبحث سبل تأمين مصالح البلاد المائية ومواجهة تعنت أديس أبابا في الملف المائي بالحد من تأثيراته السلبية على بقية دول منابع نهر النيل، إضافة إلى مساعيه إلى تعزيز الجهود لمكافحة الإرهاب العابر للحدود عبر القارة. وبما أن الملف الأهم هو حلحلة التعنت الإثيوبي فيما يخص سد النهضة وحصة مصر المائية، نجد أن تنزانيا لم تتقارب مع مصر حول هذا الملف، فرئيس تنزانيا، جون بومبيه ماغوفولي، أكد بالأمس تمسك بلاده ب"مبدأ نيريري" والذي ينص على عدم الالتزام بالمعاهدات المبرمة في زمن الاستعمار، ومنها المعاهدات المتعلقة بمياه النيل، وأن على مصر القبول بتقاسم مياه النيل مع دول الحوض، وهو الأمر الذي يتعارض مع الأطر العريضة التي رسمها السيسي في زيارته، حيث أكد الرئيس المصري ومن تنزانيا أن مياه النيل مسألة حياة أو موت بالنسبة لمصر. ويرى باحثون في الشأن الإفريقي أنه كان حريًّا بالدبلوماسيين المصريين على اختلاف درجاتهم استطلاع رأي الدولة التنزانية قبل جولة الزيارة، ثم البحث في سبل إقناعها بوجهة نظر مصر، وهناك سبل كثيرة، حيث يرى نائل الشافعي، المحاضر في معهد مساتشوستس الأمريكي، أن من هذه السبل تضمين زيارة السيسي لزنزبار التنزانية، فمصر كانت الشاهد الأجنبي الوحيد على اتفاقية توحيد زنزبار وتنجانيقا ليشكلا تنزانيا في 1964. ويضيف أن هناك مجموعة من الأخطاء المتراكمة للسياسية المصرية تجاه تنزانيا، فمصر وملاوي وقعتا مذكرة تفاهم للتعاون العسكري 2016، والعدو الوحيد لملاوي هو تنزانيا نظرًا للخلافات على ترسيم حدود بحيرة ملاوي، وتنزانيا هي الدولة الوحيدة في دول حوض النيل التي لا تصوت بصورة تلقائية كما هو حال إثيوبيا وأوغندا رواندا وكينيا ضد مصر، وأوضح أن مذكرة التفاهم، غالبًا، لن تنفذ، ولكنها تكسبنا عداوة تنزانيا بدون مبرر. وهنا نجد أن السعي المصري الحالي نحو بناء علاقات ثنائية وثيقة مع تنزانيا كونها من الدول الست التي وقعت منفردة على اتفاقية عنتيبي في العام 2010، ورفضتها آنذاك كل من مصر والسودان، قد باءت بالفشل بعد تمسك رئيس تنزانيا بمبدأ نيريري، وكان المكتب الإقليمي الفني لدول شرق النيل قد كشف يوم السبت الماضي عن إنشاء لجنة حوض النيل لتطبيق مطالب الانتفاع العادل بموارد نهر النيل، وستنشأ اللجنة قريبًا بعد موافقة ثلاث دول أعضاء إضافية في حوض النيل على اتفاقية الإطار التعاوني. ووقعت ستة من بلدان المنبع وهي إثيوبيا وأوغندا وتنزانيا ورواندا وكينيا وبوروندي على اتفاقية الإطار التعاوني التي تنشئ لجنة حوض النيل للاستغلال العادل لموارد مياه النيل في عامي 2010 و 2011، فيما تعارض مصر والسودان هذه الاتفاقية التي من شأنها تعديل معاهدة وقعت خلال الحقبة الاستعمارية بين مصر وبريطانيا في عام 1929 والتي تعطي مصر نسبة 66% من مياه النيل. وأكد المدير العام للمكتب الفني الإقليمي لدول شرق النيل، أحمد نقاش، أن الدول الأربعة وهي جنوب السودان وبوروندي وكينيا وأوغندا، قبلت الاتفاق وهي بصدد التصديق على الاتفاقات؛ وأضاف أنه إذا صدقت ثلاث دول على الاتفاقية فإن اللجنة ستنشأ، وأردف "عدم توقيع جمهورية الكونغو الديمقراطية على الاتفاق مقبول، ولكن رفض السودان ومصر لا يمكن، ولذلك فإنه يعوق إنشاء لجنة حوض النيل"، ولفت النقاش إلى أن الإطار القانوني الجديد سيمكن دول حوض النيل من استخدام المياه بطريقة عادلة ومعقولة وتعزيز علاقاتها. من جانبه قال الأستاذ في جامعة أديس أبابا والباحث في قضايا حوض النيل، يعقوب أرسانو، إن السودان ومصر لن يستفيدا من رفض الاتفاق، وبدلاً من ذلك قد يتضرران، مضيفًا أن الدول التي لا توقع على الاتفاق ستواجه مشكلة في استخدام المياه بطريقة عادلة، في حين أن الدول الموقعة سوف تكون لها حقوق وطنية وسيادية لتطويرها بطرق تفيدها. هذا ويختتم السيسي جولته الإفريقية بزيارة تشاد، وهي زيارة هامة، فمن جهة تبحث مصر الإدارة المنصفة للخزان النوبي مع ليبيا والسودان وتشاد، ومن جهة أخرى تنسق بين الرئيس إدريس دبي والمشير الليبي، خليفة حفتر، خاصة في ظل التوتر الذي تشهده العلاقات التشادية السودانية مؤخرًا، حيث دفعت أحداث الأزمة الخليجية مرة أخرى وبقوة على السطح ذلك الخلاف التناحري التقليدي المكتوم بين الرئيسين دبي والبشير في تعاريج حربهما الباردة التي استمرت في حالة كتمان منذ عقود، على خلفية اتهامات متبادلة بدعم كل طرف معارضة الطرف الآخر على الرغم من الاتفاقات الأمنية المبرمة بين السودان وتشاد.