على الرغم من أن محافظة الفيوم ليست مدينة ساحلية, إلا أن الطبيعة أمدتها بإحدى أكبر وأعمق البحيرات الطبيعية في مصر، التي تتميز بالعديد من التفرد, فكانت وجهة الملوك والأمراء, واستراحات السائحين من مختلف دول العالم, إلا أن الإهمال وانعدام خطط التنمية السياحية بالمحافظة كان لهما النصيب الأكبر في القضاء على تلك الرقعة الساحرة وتحويلها إلى بحيرة صرف صحي وزراعي؛ جراء الملوثات العضوية التي أدت إلى ارتفاع نسبة الملوحة بها، وهو ما تسبب في تدهورها وتراجعها سياحيًّا وإنتاجيًّا, فنُبذت سياحيًّا في الوقت الراهن، لتتحول إلى مجرد مصيف "للغلابة" الباحثين عن التنزه الساحلي خلال فصل الصيف بأقل التكاليف. بحيرة قارون، التي تمتد على مساحة 1358 كيلو مترًا مربعًا حاليًّا, وكانت في الماضي 2800 كيلو متر مربع, وتقع على بعد 27 كيلومترًا من مدينة الفيوم, صُنفت عام 1989م كمحمية طبيعية؛ لكونها البقعة الباقية من أقدم بحيرات العالم، وهي بحيرة "موريس القديمة", خاصة وأنها تضم العديد من الزواحف والطيور المهاجرة التي تستوطن جزيرة القرن الذهبي في الشهور الأخيرة من كل عام، كذلك طائر السمان, والبط, واليمام, وطائر البلشون الأبيض، وهو ما جعل البحيرة مركزًا لرحلات الصيد، وكان أشهر تلك الرحلات للملك فاروق, والذي شيد استراحة له عام 1946م على ضفاف البحيرة، ينبثق منها ممشى ملكي عبارة عن مدق يقبع وسط مياه بحيرة قارون، بدايته على بعد 100 متر من مدخل الأوبرج، ويمتد لمسافة 750 مترًا داخل مياه البحيرة بعرض 25 مترًا، وكان المكان المفضل لتريض الملك سيرًا على الأقدام حتى وصوله إلى مكان اليخت الذي ينقله إلى البر الثاني من البحيرة على بعد 4 كيلو مترات؛ ليمارس هوايته فى صيد الطيور. ظل الملك يأتي إلى هذا المكان بصحبة ضيوفه، وكان أشهرهم تشرشل والملك عبد العزيز آل سعود، وشهد الممشى تصوير أفلام المرأة التي هزت عرش مصر، وهذا هو الحب لصباح، وأنا وهو وهي، ومسلسل كابتن هيما لأحمد رزق وجمال عبد الحميد، إضافة إلى عشرات الأفلام الأخرى. وبفعل الحداثة تحولت الاستراحة إلى فندق "هيلنان أوبرج"، وهو أحد أهم فنادق المحافظة حاليًّا، خاصة في الزيارات الرسمية, والدبلوماسية, لتندثر القيمة التراثية لهذا المكان. وتتمتع البحيرة بالعديد من المميزات، أهمها المناخ والهدوء والرمال الذهبية الناعمة, وصيد الطيور, والأسماك, والحيوانات البرية كالغزلان, وكانت مياه البحيرة في الأصل عذبة، قبل أن يقوم محمد علي باشا في القرن التاسع عشر الميلادي بإدخال نظام الري المستديم, وهو ما أدى إلى زيادة ملوحة البحيرة, نتيجة الملوثات العضوية, ومخلفات الصرف الزراعي, والصرف الصحي، والتي تقوم بدورها بالتحلل وزيادة تركيز "الأمونيا" في المياه الراقدة؛ لتنبعث منها روائح كريهة ناتجة عن غاز "كبريتيد الهيدروجين" وتقليل نسبة الأكسجين بالمياه، وهو ما ينتج عنه تضاؤل الثروة السمكية, وتحويل البحيرة إلى مستنقع صرف صحي، تنبعث منه الروائح الكريهة الطاردة لكل شيء في الطبيعة. وكان للدكتور محمود حمد، أستاذ الدراسات السياحية بكلية السياحة بجامعة الفيوم، وجهته في هذا الشأن من خلال أبحاثه التي حددت أسباب الأزمة, وكيفية العمل على حلها, واستثمار البحيرة "سياحيًّا"، فقد وصف البحيرة بأنها "كنز مفقود" يحتاج إلى محترفين وعلماء لديهم القدرة على استخراجه والاستفادة منه على الوجه الذي يجعل المحافظة مزارًا سياحيًّا عالميًّا ذا طبيعة خاصة. موضحًا أن أسباب المشكلة لم تعد خفية على الجميع, وأبرزها تزايد معدلات المواد العضوية الناتجة عن أنواع الصرف المختلفة، والتي تأتي عن طريق مصر في البطس والوادي والقرى المحيطة بالبحيرة, والتي تقوم بدورها بالتحلل وزيادة تركيز "الأمونيا" في المياه الراقدة لتنبعث منها روائح كريهة ناتجة عن غاز "كبريتيد الهيدروجين" وتقليل نسبة الأكسجين بالمياه، وهو ما ينتج عنه تضاؤل الثروة السمكية, وتحويل البحيرة إلى مستنقع صرف صحي تنبعث منه الروائح الكريهة الطاردة لكل شيء في الطبيعة. وتقوم هيئة الثروة السمكية بعمل مقايسات تقديرية من وقت لآخر؛ لمعرفة نسب الملوحة بمياه البحيرة، والتي وصلت إلى 39 ألف جزء من المليون, وهي نسبة كفيلة للقضاء على الثروة السمكية, والطحالب التي تتحلل، فتزيد من المواد العضوية داخل المياه, وهنا يجب على الدولة التوسع في إنشاء مصانع متخصصة في استخراج الأملاح من البحيرة, وتكثيف الرقابة على المزارعينح للحد من استخدام المبيدات الزراعية التي تتجه نحو البحيرة عن طريق الصرف الزراعي, وأيضًا يجب على الدولة زراعة شواطئ البحيرة بأشجار تتحمل الملوحة العالية؛ للحفاظ على هذه الشواطئ ومنع زحف الكثبان الرملية إلى سطح البحيرة؛ مما يؤدي الى تآكلها, كما أنه من الضروري أن تتوسع المحافظة نحو الظهير الصحراوي؛ لصرف المياه الزائدة, للتخلص من الأملاح؛ حتى لا يحدث فيضان كما حدث العام الماضي ولا يرتفع منسوب البحيرة. واختتم أن الحلول كثيرة، ولكن المساعي لها على مضض من الدولة.