تشهد الساحة السياسية الموريتانية حالة من الانقسام، لاسيما مع اقتراب إجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي دعت إليه الحكومة، ما أدى إلى حالة من الاستقطاب الواسع بين الأحزاب المعارضة والموالية في البلاد. وقبل يومين من إجراء الاستفتاء المقرر له 5 أغسطس، يشتد الانقسام السياسي، مع اعتصام لعدد من النواب داخل مبنى البرلمان الموريتاني، رفضا للتعديلات الدستورية، وطالبوا الحكومة بالتراجع عنها، ووقف المسار الذي وصفوه بالخطير ويدخل البلاد في نفق مظلم، كما أن الاعتصام جاء احتجاجا على هجوم الرئيس عليهم. وما زاد الوضع سوءًا، محاصرة الشرطة الموريتانية، مبنى مجلس الشيوخ، وأغلقت جميع الطرق المؤدية إليه، ويطالب أعضاء المجلس المعتصمين ب«اعتذار رسمي» من قبل رئيس البلاد محمد ولد عبد العزيز، عن تصريحات أدلى بها منذ أيام واعتبروها «مسيئة لهم». وكان الرئيس الموريتاني حث مواطنيه على "التخلص" من مجلس الشيوخ، معتبرًا اياه "وكرا للفساد والرشوة، ومجرد عبء على الدولة، ومعطلا لمسار التنمية في البلاد"، لكن النواب قرروا الاعتصام داخل مباني المجلس، حتى يعتذر ولد عبد العزيز عن تصريحاته التي وصفوها ب"المستفزة"، مؤكدين أن الاعتصام يأتي أيضا رفضا لما اعتبروه "عبثا بدستور البلاد"، حيث "لن يعترفوا بنتائج الاستفتاء الدستوري المقرر السبت القادم". وتوترت العلاقة بين الحكومة الموريتانية ومجلس الشيوخ عقب إسقاط الأخير تعديلات دستورية سبق وأقرتها الجمعية الوطنية، الغرفة الأولى للبرلمان الموريتاني، حيث وصفت القوى المعارضة التعديلات بأنها «انقلاب جديد على الشرعية وتمهيد لاستمرار النظام»، داعية كل الموريتانيين إلى المساهمة بصورة فعالة في المقاطعة النشطة له. ولتجاوز عقبة مجلس الشيوخ، لجأ الرئيس ولد عبد العزيز إلى المادة 38 من الدستور، التي تنص على "لرئيس الجمهورية أن يستشير الشعب عن طريق الاستفتاء في كل قضية ذات أهمية وطنية"، وتتضمن التعديلات المقدمة من الحكومة إلغاء محكمة العدل السامية (العليا)، المعنية بمحاكمة الرئيس وأعضاء الحكومة وتوسيع النسبية في الانتخابات العامة وتغيير العلم الوطني وإلغاء مجلس الشيوخ، بينما لا تتضمن التمديد لولاية ثالثة لرئيس البلاد، وهو ما قوبل برفض مجلس الشيوخ وطيف واسع من أحزاب المعارضة الرئيسية في البلاد، لاسيما أن التعديلات الدستورية المقرر أن يصوت عليها الموريتانيون تتضمن إلغاء مجلس الشيوخ وإنشاء مجالس جهوية للتنمية. وشكلت المعارضة الموريتانية، جبهة موسعة لجميع أطيافها لإفشال الاستفتاء المنتظر، مؤكدين أن المادة (38) غير مختصة بمراجعة الدستور، كما أن مجلس الشيوخ أجاز في وقت سابق قانونًا يقضي بعدم دستورية مراجعة الدستور، اعتمادًا على هذه المادة وباقتصار مراجعة الدستور على مواد الباب الحادي عشر المخصص لذلك. ورغم أن التعديلات الدستورية التي سيصوت عليها الشعب لم يكن من ضمنها السماح للرئيس بالدخول في انتخابات رئاسية عام 2019 حيث تنتهي ولايته الثانية والأخيرة، إلا أن المعارضة تقول إن التعديلات الدستورية تُشتم من ورائها رائحة انقلاب على الدستور وتهيئة للوصول إلى ولاية ثالثة مخالفة للدستور، وتسعى لإزاحة كل العراقيل التي تعترض بقاءه في السلطة، وترى أن الرئيس سيغير الدستور الحالي بآخر، يكون استهلالاً لجمهورية ثالثة منفصلة عن الجمهورية الحالية، تمكنه من الترشح لخلافة نفسه في ولايات رئاسية أخرى. رئيس الوزراء، يحيى ولد حدمين، في جولاته الأخيرة المخصصة لتعبئة الشارع الموريتاني لتعديلات الدستور كرر أن «الرئيس محمد ولد عبد العزيز باق في السلطة، والنظام الحالي غير متخل عن السلطة بعد انتخابات 2019»، في المقابل، ارتفعت وتيرة التحركات السياسية للمؤيدين؛ لإنجاح الاستفتاء على التعديلات الدستورية، ومع أن الحملات الدعائية لم تكن ناجحة إلى حد ما، إلا أن المسؤولين في الحكومة الموريتانية عززوا من تحركاتهم في الآونة الأخيرة كما بدأوا في عمل تجمعات ومؤتمرات للحشد بنعم على التعديلات، وطالب رئيس الوزراء في مهرجان شعبي في محافظة لبراكنة شرق نواكشوط بالتصويت ب"نعم"، دعمًا للإصلاحات الدستورية المقترحة؛ حفاظًا على المكتسبات التي قال إنها تحققت للموريتانيين، معبرًا عن ثقته في أن الخامس من أغسطس سيشكل تاريخًا فاصلاً في هذا المجال.