بعد أن تبنى المستشار وائل مكرم، محافظ الفيوم السابق، خطة استراتيجية للنهوض بالسياحة الداخلية بمحافظة الفيوم, والتي شرع في تنفيذها قُبيل رحيلة من خلال رصد 28 مليون جنيه لتحويل حديقة ميدان السواقي "قارون" من رقعة خضراء, ومتنزه طبيعي عام إلى ساحة بلورية يملؤها الرخام والجرانيت والكتل الخرسانية, مزينة بأضواء ملونة باهرة, متجاهلًا الطبيعة الجغرافية والتراثية لهذه الحديقة التي تتوسط المدينة, أتى الدكتور جمال سامي، المحافظ الحالي، ليستكمل مسيرته في القضاء على حق الفقراء في أن يجدوا حدائق عامة ومسطحات خضراء, تكون متنفسًا لهم. فبعد أن قامت المحافظة بتأجير كافة الحدائق العامة إلى المستثمرين, باتت المعادلة أشبه بالهروب من المسؤولية المتنوعة, ربما لعجز المحافظة عن تنظيف تلك الحدائق أو تأمينها, وربما أن هناك أوجهًا أخرى للمعادلة داخل أروقة الديوان. فقد انتابت حالة من الرفض ممزوجة بالسخط وقلة الحيلة أهالي الفيوم، بعد أن أصبحت المحافظة خالية تمامًا من المتنزهات العامة والمسطحات الخضراء, حيث شهدت المحافظة على مدار عام حملة شرسة من المحافظين للقضاء على الرقعة الخضراء والمتنزهات العامة، التي كانت تمثل مأوى ومتنفسًا للغلابة, حتى لم تعد هناك حديقة عامة بالفيوم، بعد أن تم تأجيرها جميعها، بدءًا من الحديقة الدولية المؤجرة منذ بداية الألفية الثانية, والتي تحولت إلى شبه ملكية خاصة لأحد رجال القضاء، وخرجت من حسابات المسؤولين إلى أجل غير مسمى، دون النظر لما اَلت إليه من تدهور وإهمال. ربما الأصعب من ذلك هو حال حديقة ميدان قارون، والتي تقع وسط مدينة الفيوم, وتضم سواقي الهدير، التي أنشئت في العصر البطلمي قبل 2500 عام, وهي عبارة عن منحدرات، تبدأ من الجنوب عند ارتفاع 26 مترًا فوق سطح البحر, وتنتهي بارتفاع 44 مترًا تحت سطح البحر شمال المحافظة بنهاية بحيرة قارون, وم إنشاء الحديقة المحيطة بالسواقي عام 1984، والتي تعد قبلة أهالي المحافظة على مدار العام, كما تضم الحديقة النصب التذكاري للجندي المجهول الذي محته اَثار الحداثة, ومحت معه كثيرًا من المعالم الطبيعية والنفسية التي كانت تتناسب مع طبيعة أهالي المحافظة. الحديقة التي تكلفت حتى الآن أكثر من 35 مليون جنيه تحولت للوحة جدارية رائعة، ليست للجلوس، ولكن للمشاهدة والصور التذكارية، حيث إنه "ممنوع اللمس أو الاقتراب"، والذي يطبقه حراس من موظفي مجلس المدينة، بمنع دخول المواطنين إلى حيز الميدان ذي المساحة الشاسعة, إلا أن المهندس أيمن عزت، رئيس مجلس مدينة الفيوم، الذي تسلم مهام عمله منذ شهرين تقريبًا، كانت له وجهة نظر مختلفة، فقام بطرح مناقصة لتأجير الحديقة, على أن يقوم المستأجر بإنشاء مدينة ألعاب للأطفال ومطعم وكافية داخلها, وهو ما تم بالفعل بمزايدة، حسمت لمجموعة من رجال الأعمال كشركاء، مقابل مبلغ 40 ألف جنية شهريًّا. وبالفعل بدت مظاهر فرض الحصون والأسلاك الشائكة حول الحديقة؛ لتأمين أموال المستثمرين الجدد, الأمر الذي جعل من البسطاء والغلابة لقمة سائغة للاستغلال ورأس المال. كما أن حديقة المدينة التي أنشئت عام 2008 ظلت مغلقة لسنوات عديدة، دون أن يتم افتتاحها لأسباب غير معلومة، حتى تم افتتاحها منذ أشهر, لتندرج ضمن خريطة البيزنس، وبنفس الطريقة طرحت لمزايدة، تمت وفقًا للقانون رقم 89 لسنة 1998 ولائحته التنفيذية وتعديلاته, وبدأ المستأجر الذي تسلمها بعقد لمدة ثلاث سنوات في تحصيل رسوم دخول الحديقة لجني الأرباح. وبمواجهة المهندس أيمن عزت رئيس مجلس المدينة بهذا الواقع وحالة السخط, وعد بأن يتبنى فكرة إنشاء حديقة جديدة خلف سور الحديقة الدولية على مساحة 2000 متر, وأن يتم مراعاة شكاوى المواطنين. لم تعد هناك أي مظاهر للبهجة والتنزه لمواطني الفيوم، بعد أن باتت حقوقهم مهدرة تحت طائلة رجال الأعمال, على أمل أن يجدوا من يستمع لشكواهم، ويستشعر ألمهم.