لاتزال أحداث المسجد الأقصى تلقي بظلالها على بعض الدول العربية التي استشاطت غضبًا من الإجراءات الأمنية الاستفزازية التي اتخذها الاحتلال خلال الأسبوعين الماضيين وأدت إلى اندلاع مواجهات دامية هناك سقط خلالها ما يقرب من خمسة فلسطينيين وأصيب العشرات، لكن الوضع في الأردن مختلف تمامًا، فإلى جانب الغضب من التصعيد الصهيوني في الأراضي الفلسطينية، جاءت حادثة السفارة الإسرائيلية في عمّان لتُزيد الغضب وتطالب بالثأر خاصة بعد تخاذل الحكومة في التعامل مع القاتل الصهيوني، ما وضع هيبة الدول الأردنية في مهب الريح. حماية إسرائيلية.. وخذلان أردني منذ وقوع حادثة السفارة الإسرائيلي في العاصمة الأردنيةعمان، يوم الأحد الماضي، والتي أدت إلى مقتل أردنيين وإصابة إسرائيلي، بادرت تل أبيب بممارسة جميع الضغوط على الحليفة العربية لمنع تقديم حارس أمن السفارة الإسرائيلية المتورط في إطلاق النار على الأردنيين إلى التحقيق أو المحاكمة، خاصة مع ورود أنباء حول رغبة الأردن في استجواب الحارس، حيث أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية أمس الاثنين، إن حارس أمن إسرائيليًا بسفارة الكيان بالعاصمة الأردنيةعمان قتل بالرصاص أردنيًا هاجمه بمفك براغي في مجمع السفارة بعمان، كما توفي أردني ثانٍ تصادف وجوده في موقع الحادثة، وأضاف البيان أن بنيامين نتنياهو تحدث إلى حارس الأمن وإلى السفيرة الإسرائيلية هناك، عينات شلاين، وشدد على أن الحارس لديه حصانة دبلوماسية من الاستجواب والمحاكمة بموجب اتفاقية فيينا. احتمال إفلات الحارس الإسرائيلي من العقاب أثار قلق العديد من النشطاء العرب على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة الأردنيين، الذين طالبوا بالتحقيق مع الصهيوني ومحاكمته والثأر منه، فما كان من الحكومة الأردنية إلا أن اتخذت طابع تحقيق صوري لتهدئة الغضب الشعبي وحفظ ماء الوجه للقيادة في المملكة، حيث خرج الأمن العام الأردني ليعلن مساء أمس الاثنين، انتهاء التحقيقات الأولية في حادثة السفارة بعد سماع أقوال الحارس والأمر الآن بيد القضاء، مضيفًا في تبرير جريمة القاتل الصهيوني: "أنها نتجت عن تهجم نجل صاحب محل أثاث على الموظف الإسرائيلي"، لتسمح عمّان لحارس السفارة الإسرائيلية بالمغادرة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد ذلك. من جانبه، قال رئيس وزراء حكومة الاحتلال، أمس الاثنين، إن إسرائيل تسعى إلى الوصول لاتفاق بهذا الشأن، متعهدًا بإعادة الحارس الإسرائيلي إلى دياره في أقرب وقت، وأضاف: نجري اتصالات متواصلة مع الجهات الحكومية والأمنية في عمّان على شتى المستويات بهدف إنهاء الحادثة في أسرع وقت ممكن، وتابع: تحدثت الليلة الماضية مرتين مع سفيرتنا لدى الأردن ومع الحراس، كان انطباعي بأنها تدير الأمور بشكل جيد، ووعدت رجل الأمن بأننا سنعيده إلى البلاد ولنا تجربة في ذلك. غضب شعبي.. واستفزازات صهيونية إلى جانب الصدع في العلاقات الأردنية الإسرائيلية الذي نتج عن الحادث، أصاب القرار الأردني بالتخلي عن التحقيق مع الحارس والتحفظ عليه خذلان الشعب الأردني، حيث مثلت قرارات المملكة المتعلقة بالحادث حالة من الارتهان والتبعية للكيان الصهيوني وقلة الحيلة والعجز في حماية مواطنيها من الصهاينة على أراضيها، حيث الكيان المغتصب قمة الاستهتار بالقانون الأردني وحرمة المواطنين على أراضيهم والمواثيق والمعاهدات الدولية، ليتعامل مع الحادث وكأن القاتل ضحية، في الوقت الذي تسارع فيه إسرائيل بمعاقبة كل من يُخطئ في حقها أو يفكر في المس بأحد مستوطنيها أو قوات أمنها. وقال الأمين العام للحزب الوطني الدستوري، أحمد الشناق، إن من السهل على إسرائيل إحالة الحادثة إلى محاولة اغتيال، وهي تدرك سهولة ربط حبال الحدث الأمني ببعضها لتصل إلى المسجد الأقصى، خاصة أن الحادثة وقعت وسط أجواء توتر افتعلها احتلال يريد الاستيلاء على قبلة المسلمين الأولى، ورأى الشناق أنه من واجب الحكومة أن تكون حزامًا واقيًا للرأي العام الأردني حول أي حدث بذكر التفاصيل والحقائق كما هي، مشيرًا إلى أن المتوافر الآن من تصريحات متناقضة يصنع مزيدًا من الروايات، وتابع: على وزير الإعلام الخروج من دون الاختباء وراء جهاز الأمن، ليروي الأحداث كلها بتماسك وبقصة قابلة للتصديق، فليس مقبولًا أن يبقى المواطن الأردني ضحية دائمًا سواء كان قاتلًا أو مقتولًا. ومن جانبها، حاولت لجنة أهالي الأسرى والمفقودين الأردنيين الاستفادة من الحادث بمطالبة الحكومة الأردنية بمنع تسليم حارس السفارة الإسرائيلية إلا في إطار صفقة تبادل تشمل الإفراج عن الأسرى الأردنيين، مشيرة إلى أن الأسرى الأردنيين يبلغ عددهم 23، والمفقودين 30. الغضب الشعبي تفاقم بعدما نشر مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، فجر اليوم الثلاثاء، التسجيل الصوتي للمكالمة الهاتفية التي دارت بينه وسفيرة كيان الاحتلال الإسرائيلي في الأردن، التي عادت مع طاقم السفارة إلى تل أبيب، ومن بينهم رجل الأمن الإسرائيلي المتورط في عملية قتل الأردنيين، وهو التسجيل الذي أعده البعض استفزازًا متعمدًا للشارع الأردني، في الوقت الذي يطالب فيه بمحاسبة رجل الأمن الإسرائيلي. وجاء في مضمون المكالمة الهاتفية، تهنئة من نتنياهو إلى السفيرة عينات شلاين على العودة بسلام إلى إسرائيل، فيما شكرت السفيرة رئيس الوزراء الإسرائيلي، لينتقل الهاتف إلى الحارس الإسرائيلي بموجب طلب من نتنياهو فيشكره بدوره على الجهود المبذولة لإعادته إلى بيته مجددًا، قائلًا: أنا بخير وأود أن أشكرك على الجهود التي بذلتها لإعادتي، أنت وعدتني أمس بإعادتي وشعرت اليوم أن دولة بأكملها تقف خلفي، ولك كل الشكر والتقدير من أعماق قلبي. الاستفزاز الإسرائيلي ومحاولة إحراج القيادة الأردنية مع شعبها لم يتوقف عند هذا الحد، حيث نشر عضو الكنيست الإسرائيلي عن حزب الليكود، أورن حزان، تغريدة في حسابه على موقع "تويتر"، تضمنت كلامًا بذيئًا عن الأردن، حيث قال: يبدو أن جيراننا في شرق الأردن الذين نسقيهم الماء ونحمي مؤخراتهم ليلًا ونهارًا؛ يبدو أنهم يحتاجون لإعادة تربية من جديد، ويبدو أننا سنقول وداعًا وليس إلى اللقاء.