هناك من يعلم أن كوريا الشمالية لا تشكل تهديدًا للسلام العالمي ولا خطرًا على جارتها كوريا الجنوبية، ولكن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لا يعرف ذلك، وإذا كان يعرف، فهو يختار تضخيم الأمور وتصوير أن كوريا الشمالية تشكل تهديدًا، أكثر مما فعل أسلافه. الولاياتالمتحدة هي من أطلقت الصواريخ البالستية على اليابان، وليست كوريا الشمالية، حيث استهدفت بحر اليابان، وجعلت الحياة المائية غير صالحة للكائنات البحرية وكذلك الآدمية، وهذا ما تقوم به الولاياتالمتحدة في المحيط الهادئ من قاعدة فاندنبرغ الجوية في كاليفورنيا. تختبر الولاياتالمتحدة العديد من الصواريخ البالستية دون اعتراضات دولية، ففي فبراير 2016 شهد نائب وزير الدفاع، روبرت روك، مثل هذا الاختبار، وقال للصحفيين إن الغرض منه هو إظهار قوة الترسانة النووية الأمريكيةلروسياوالصينوكوريا الشمالية. تقوم روسياوالصين أيضًا باختبار صواريخها وأسلحتها، لإثبات نفس الشيء للولايات المتحدة، ولكن حين يتعلق الأمر بكوريا الشمالية تعترض واشنطن لأسباب واضحة، ولكن غير معلنة. لا يمكن لبيونغ يانغ ممارسة ما تقوم به الولاياتالمتحدةوالصينوروسيا، ببساطة لأنها أحد أعضاء محور الشر الذي صنفته الولاياتالمتحدة. الموقف الذي تتبعه الولاياتالمتحدة مع كوريا الشمالية يعد أحمق، وكذلك سياستها الخارجية، لأن الكوريين الشمالين أنفسهم يدركون أن الصواريخ التي يمتلكونها غير فعالة، ولا يمكن الاعتماد عليها، ولكن السياسة الأمريكية تريد تصوير عكس ذلك. وتحظر القواعد التي تفرضها الولاياتالمتحدة على دول أخرى مثل كوريا الشمالية أو إيران اتباع أنماط عقلانية للدفاع عن النفس، حتى في مواجهة التهديدات الأمريكية العلنية. وعندما تتجاهل كوريا الشمالية هذه القواعد الأمريكية، وتضرب المحيط بصاروخ، تصعد الولاياتالمتحدة الأمر بشكل هستيري كما لو كان ما فعلته بيونغ يانغ عملاً معاديًا. تسمح الولاياتالمتحدة لنفسها فعل ما يحلو لها، ولكن حين يتعلق الأمر بالآخرين، تعترض واشنطن، وترغب في تأطير وتحجيم العالم وفقما تريد. لا تشكل كوريا الشمالية تهديدًا خطيرًا الآن، ولكن الولاياتالمتحدة تخلق تهديدًا افتراضيًّا ووهميًّا إلى حد كبير، كما أن كوريا الشمالية لن تعتدي على أي بلد، إلا إذا اعتدى عليها أولاً، وسيكون ذلك بأمر من الولاياتالمتحدة. ما أثار رعب واشنطن حول إطلاق الصواريخ الكورية الشمالية في 3 يوليو هو التهديد الخيالي الذي تصنعه الولاياتالمتحدة تجاه بيونغ يانغ. واستنادًا إلى الخوف المعلن على نطاق واسع مع الضجيج الأمريكي، أصدرت شركة بوسينيس إنزيدر تقريرها عن الصاروخ الكوري الشمالي الجديد، وقالت: تزعم كوريا الشمالية أنها أطلقت أول صاروخ باليستي عابر للقارات، ويقول الخبراء إنه يمكن أن يصل إلى آلاسكا. تدعي الولاياتالمتحدة أن كوريا الشمالية يمكنها أن تضرب أي مكان على هذا الكوكب، ولكنها لا تقول الحقيقة، لأن الصاروخ الذي أطلقته كوريا الشمالية يصل إلى بعد 580 ميلاً، ولا يمكن أن يصنف بأنه عابر للقارات، وأقرب نقطة إلى آلاسكا تقع على بعد ثلاثة آلاف ميل. نعم يمتلك الكوريون الشماليون أسلحة نووية، ولكن أكبر ما يمتلكونه أصغر من القنبلة الأمريكية التي سقطت على هيروشيما، وبالتالي لا يوجد دليل على أن كوريا الشمالية يمكن أن تقدم أسلحة نووية متقدمة. وعلى سبيل المقارنة فإن الترسانة النووية الأمريكية، التي كانت في السابق تحمل أكثر من 31 ألف رأس حربي، انخفضت الآن إلى 4 آلاف رأس، وكل هذه الرؤوس الحربية تقريبًا أقوى بكثير من قنبلة هيروشيما. بدأت الحرب الكورية في 27 يونيو 1950، عندما غزت كوريا الشمالية الجنوب، ووقعت الهدنة في 27 يوليو 1953، وانتهت الأعمال القتالية، وليست الحرب. هناك وقف لإطلاق النار، ولكن ليست هناك معاهدة سلام، وقد دخلت الولاياتالمتحدة هذه الحرب تحت رعاية الأممالمتحدة. لم يعلن الكونجرس الحرب أبدًا، ولكنه أيدها، ويسعى بعض أعضاؤه حاليًّا إلى سن تشريعات لمنع الرئيس من اتخاذ أي عمل عسكري ضد كوريا الشمالية دون الحصول على موافقة صريحة من الكونجرس. الرئيس الجديد لكوريا الجنوبية يريد التفاوض مع كوريا الشمالية، ولكن هذا لا يبدو هامًّا بشكل كبير، حيث تشارك كوريا الجنوبية في مناورات ضخمة مع الولاياتالمتحدة، تعتبرها كوريا الشمالية تهديدًا لها، والأسوأ من ذلك أن الولاياتالمتحدة أدخلت أسلحة مضادة للصواريخ إلى كوريا الجنوبية دون أن تخبر رئيس كوريا الجنوبية. الغريب أن ترامب يلوم الصين علنًا لعدم تحدثها مع كوريا الشمالية، كما لو أن بكين هي المسؤولة، وقد زادت الصين تجارتها مع كوريا الشمالية بنسبة 40%، الأمر الذي يعد عاملاً للاستقرار بين البلدين، خاصة على المدى الطويل. تتبع الولايات طريقة تتلخص في أنه حين لا يمكنك التحكم في طفل يمكنك إحراق المنزل بأكمله، وهذا يحدث إذا كنت أنت نفسك طفلاً مدللاً، ولا تهتم حقًّا بما سيحدث في المنزل، بمعنى أن الولاياتالمتحدة لا يمكنها السيطرة على كوريا الشمالية، وبالتالي ستحرق العالم أجمعه لهذا السبب دون الاهتمام بشيء. المقال من المصدر: اضغط هنا