اتفق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ونظيره الصيني، شي جين بينج، في ختام محادثتهما بموسكو، على تعزيز علاقات البلدين والتنسيق على المستوى الدولي، كما اقترحا مبادرة لحل الأزمة الكورية، عبر تجميد بيونج يانج أنشطتها الصاروخية مقابل امتناع واشنطن وسؤول عن مناورتهما، وأكد الرئيسان على تطابق الموافق فيما يخص التوازن الاستراتيجي والأزمة السورية. القمة الروسية الصينية كثافة اللقاءات الروسية الصينية على أعلى المستويات تعكس عمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، فهي المرة السادسة الذي يزور فيها الرئيس الصينيموسكو، كما أن هذا اللقاء هو الثاني والعشرون الذي يجمع بينهما، وإذا كان التعاون في المجالات الاقتصادية والإنسانية والمالية يعتبر أساسًا في تجسيد العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، فإن التطابق في وجهات النظر في الكثير من الملفات الساخنة على الساحة الدولية يجسد، وكما قال الرئيس بوتين، الحرص على مواجهة التحديات المعاصرة، وعلى رأسها أزمات الشرق الأوسط، والتوتر القائم في شبة الجزيرة الكورية. الرئيس الصيني اعتبر أن زيارته المتكررة لروسيا دليل على الثقة التي توليها الصينلموسكو، مشددًا على أن الشراكة الاستراتيجية لا تصب فقط في مصلحة البلدين، بل وأعطت زخمًا إيجابيًّا كبيرًا للحفاظ على السلام والأمن في العالم. وقلد الرئيس بوتين يوم الاثنين الماضي الرئيس الصيني وسام القديس أندراوس، تقديرًا للجهود البارزة في تطوير الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي بين البلدين، وهو ما عكسته عشرات الاتفاقيات الموقعة في الزيارة الصينيةلموسكو، والتي وصلت إلى أكثر من 10 مليارات دولار أمريكي، تصدرتها قطاعات الطاقة والمال، لتكون خطوة أخرى نحو رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين، ليصل إلى 80 مليار دولار خلال هذا العام. بين روسياوالصين جسور عديدة تجسد واقع العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، فكلما كان التعاون الاقتصادي أكثر تكافؤًا، انعكس إيجابًا على تنسيق مواقف موسكووبكين على الساحة الدولية، وهو ما بات واقعًا في تأثير الدولتين على الكثير من الملفات الساخنة في العالم. الملف الكوري والسوري التجربة الصاروخية الجديدة لكوريا الشمالية، وإن سرقت الأنظار لتصبح مسائل الأمن والاستقرار في شبة الجزيرة الكورية أولوية في قمة بوتين وبينج، إلا أن الملف السوري هو أيضًا كان أولوية في المباحثات، واحتل مساحة بارزة في الإعلان الروسي الصيني المشترك حول الوضع الراهن في العالم والقضايا الدولية المشتعلة. فالقمة الروسية الصينية الراهنة تأتي ضبطًا لعقار الساعة بين موسكووبكين في العديد من قضايا العصر، التي على أبواب قمة أوسع وأشمل لمجموعة العشرين الكبار في هامبورج الألمانية يوم الجمعة المقبل، الرئيس الروسي والصيني اتفقا في قمة موسكو حول الألوليات في السياسة الدولية، ما يعني أن موقف كل منهما في لقاء الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، سيعتمد على مصادر قوة الآخر، خاصة أن العلاقة بين الصينوالولاياتالمتحدة معقدة إذا ما ضمت العناصر الاقتصادية لها، فهناك اعتماد شبه كلي من الصين على السوق الأمريكي لتسويق بضائعها ومنتجاتها الإلكترونية، بالإضافة إلى أن الصين تعد الحامل الأكبر لسندات الخزانة الأمريكية، وهو الأمر الذي يعكس تذبذب السياسة الصينية مع موسكووواشنطن، فرغم العلاقات الصينية المميزة مع موسكو، إلا أن الرئيس الصيني دعم تقريبًا الضربات الأمريكية الأخيرة في شهر إبريل الماضي على سوريا، فهو لم ينتقد هذه الضربات بشكل واضح ودقيق، وبالتالي قد لا تشكل بكين وحدها ندًّا قويًّا لواشنطن، ولكن وجودها في المحور الروسي الذي يجمع إيران أيضًا يجعلها ندًّا للولايات المتحدة. ولا يمكن فصل القمة الروسية الصينية عن المسار الأوروبي، فعلى الرغم من أن أوروبا حليفة للولايات المتحدة، إلا أن هذا لا ينفي وجود مصالح أوروبية مع روسياوالصين، في ظل الحديث عن طريق الحرير الذي تقدر مسافته ب 8000 كم بين الصين وأوروبا، وهذا الطريق يدعم الحالة الاقتصادية لكل دول المنطقة، وينقذ أوروبا عمليًّا من الهيمة الأمريكية. وكانت المبادرة الصينية قد أعلن عنها للمرة الأولى في عام 2013، حيث كانت تحمل اسم "حزام واحد وطريق واحد"، وتتضمن إنفاق الصين مليارات الدولارات عن طريق استثمارات في البنى التحتية على طول طريق الحرير الذي يربطها بالقارة الأوروبية، وافتتحت العاصمة الصينية في 14 مايو 2017، قمة مخصصة للاحتفال بإطلاق مبادرة "الحزام والطريق"، وهي أكثر سياسات الرئيس شي جين بينخ الخارجية طموحًا، وفي ذات الوقت لا يجب إغفال أن أوروبا مستهلك رئيسي للغاز الروسي. واستطاعت هذه القمة أن تضع الأزمة الكورية في إطارها الحقيقي، عندما عبر الرئيسان الروسي والصيني عن حق كوريا الشمالية في تخوفاتها، ولكنهما وضعا أنظمتها الصاروخية والنووية ضمن المبادرات الصينية الروسية، ومن جهة أخرى طرحا شروطًا على كوريا الجنوبية وعلى الولاياتالمتحدة، كما طالبا واشنطن بوقف نشر صواريخها في منطقة شرق آسيا. وحتى فيما يتعلق بالأزمة السورية هناك اتفاق مسبق مورس منذ عام 2013 عبر الفيتو المزدوج الروسي والصيني، للوقوف في وجه التحركات الأمريكية في ظل التلاعب الأمريكي بورقة الكيماوي في منطقة الغوطة الشرقية. وفي القمة الأخيرة تحدث الرئيسان أنهما تطابقا في المواقف، وسيتم ترسيخ هذا التطابق عبر منظومة شنغهاي ومنظومة البريكس الاقتصاديتين.