وسط إقبال شعبي ضعيف وأجواء من الملل الديمقراطي تحيط بالناخبين الفرنسيين، فازت حركة "الجمهورية إلى الأمام" بزعامه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية، لكن ارتفاع نسبة المقاطعة غير المسبوق يشير إلى قاعدة شعبية ضعيفة للرئيس الفرنسي. أعلنت وزارة الداخلية الفرنسية، اليوم الاثنين، فوز حركة "الجمهورية إلى الأمام" بالجولة الأولى للانتخابات الجمعية الوطنية "مجلس النواب" بحصولها على 28.2% من الأصوات، يليها حزب الجمهوريين اليميني ب15.8%، ثم "الجبهة الوطنية" اليمينية المتشددة بزعامة مارين لوبان ب13.2 %، وحصلت حركة "فرنسا المتمردة" بقيادة اليساري الراديكالي، جان لوك ميلانشون، على 11 %، فيما جاء الحزب الاشتراكي في ذيل القائمة ب7,4%. فوز حركة ماكرون لم يكن مفاجئًا للعديد من متابعى الأجواء الانتخابية الفرنسية، حيث توقعت استطلاعات الرأي أن يفوز ماكرون بالأغلبية في الجولة الأولى، ليحصل حزبه في نهاية الدورة الثانية التي من المقرر أن تجري يوم الأحد القادم، على ما بين 390 و445 مقعدًا من أصل 577 تتألف منها الجمعية الوطنية، ليصبح قادرًا على تشكيل حكومة فرنسية تبدأ في تنفيذ خططه الإصلاحية التي ينادي بها منذ حملته الانتخابية الرئاسية. رغم أنه يحق لنحو 47 مليون ناخب فرنسي الإدلاء بأصواتهم في هذا الاقتراع، لاختيار 577 نائبًا في الجمعية الوطنية من بين نحو 8 آلاف مرشح، إلا أن نسبة المشاركة جاءت ضعيفة للغاية، حيث سجلت نسبة مقاطعي الانتخابات مستوى قياسيا غير مسبوق في تاريخ فرنسا، فقد بلغت بحسب النتائج النهائية الصادرة مساء أمس الأحد، 51.29% من الناخبين، أي أكثر من نصف الفرنسيين الذين يحق لهم التصويت، متخطية بفارق كبير نسبة المقاطعة في الدورة الأولى من انتخابات 2012، التي بلغت في ذلك الوقت مستوى قياسيًا قدره 42.78%. الصحف الفرنسية تناولت مسألة ضعف المشاركة باهتمام بالغ، حيث كتب نيكولا بيتوت في صحيفة لوبينيون: لا نسبة 24% التي حصل عليها ماكرون في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، ولا نسبة 50% من الامتناع عن التصويت التي شهدتها الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية، يفترض أن يبعث الوهم بأن فرنسا اعتنقت موجة ماكرون، فيما أعلنت صحيفة لومانيتيه الاشتراكية، أن "الامتناع هو الفائز في الاقتراع"، كما رأى ميشال أورفوي في صحيفة ويست فرانس المحلية أنه من الأفضل من أجل ممارسة الحكم أن يكون بوسع الرئيس الاعتماد على تأييد واضح لمشروعه، وأن تكون المعارضة في البرلمان وليس في الشارع، لا نرى في الوقت الحاضر أيًا من الأمرين، فيما حذرت سيسيل كورنوديه في صحيفة ليزيكوه الاقتصادية من أن "إيمانويل ماكرون يواجه خطر الحصول على غالبية ضخمة، سيكون بالتالي الاحتفاظ بها أمرًا معقدًا". وأرجع بعض السياسيين ارتفاع نسبة المقاطعة لأكثر من نصف الناخبين إلى وجود حالة من "الملل الديمقراطي الكبير"، حيث يشعر الناخبون بالملل بعد الانتخابات التمهيدية في كلا من اليسار واليمين، ودورتي الانتخابات الرئاسية، لتأتي الانتخابات التشريعية بعد أقل من شهر على الانتخابات الرئاسية، فيما رأى البعض أن الفرنسيون يميلون تلقائيًا إلى منح الرئيس المنتخب غالبية برلمانية، وذلك منذ بدء اعتماد الولاية الرئاسية خمس سنوات في عام 2002، وتزامن الانتخابات الرئاسية مع الانتخابات التشريعية حيث تبلغ ولاية النواب أيضًا خمس سنوات. رأى بعض المراقبين أنه رغم تمكن الرئيس الفرنسي من حسم نتيجة الانتخابات التشريعية منذ الدورة الأولى، إلا أن نسبة الممتنعين عن التصويت مررت طعم الفوز بالنسبة لماكرون، حيث تشير إلى عدم وجود دعم شعبي كبير له، فلا يمكن الحديث مثلًا عن موجه تأييد شعبية حاشدة لحزب الرئيس الفرنسي، وبالتالي قاعدة شعبية كبيرة له أو تأييد كامل من الناخبين لمشروعه. من جانب آخر، علقت الصحافة الفرنسية على مسألة الاقتراع بشكل عام وفوز ماكرون بشكل خاص، حيث قال الصحفي بول هنري دو ليمبير في صحيفة لوفيغارو المحافظة: "من كان سيصدق ذلك، من كان سيتكهن بذلك، تشكيل سياسي لم يكن موجودًا قبل عامين، هو إذًا بصدد اكتساح غالبية واضحة في الجمعية الوطنية، مبلبلًا بذلك مشهدًا سياسيًا لطالما ظننا أنه لن يتغير"، فيما رأى لوران جوفران في صحيفة ليبراسيون اليسارية، أنه مع حصول حزب الرئيس على 28.2% من الأصوات وتوقعات تشير إلى فوزه ب400 إلى 455 مقعدًا من أصل 577، فإن بوسع ماكرون الإمساك بكل السلطات، فيما اعتبر لوران بودان في صحيفة لالزاس المحلية أنه "الانتصار التام لاستراتيجية التغيير التي وعد بها الرئيس".