وصل التوتر بين ألمانيا والإدارة الأمريكية الحالية برئاسة دونالد ترامب، خلال الفترة الأخيرة إلى مستوى غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية، فالرئيس الأمريكي لم يألُ جهدًا في انتقاد سياسات برلين حتى من قبل تنصيبه، فيما ترد الأخيرة بخطوات سياسية ودبلوماسية تتقارب من خلالها مع تلك الدول التي تحمل مخاوف من سياسات الولاياتالمتحدة الجديدة. صرحت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، الخميس الماضي في بداية زيارة رسمية لها إلى المكسيك، استغرقت يومين، بأن إعادة التفاوض في اتفاق التبادل الحر بين المكسيك والاتحاد الأوروبي تمثل "فرصة كبيرة"، وقالت ميركل خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس المكسيكي إنريكي بينيا نييتو، في القصر الوطني: "ليس لدينا اتفاق شامل وهذه فرصة كبيرة"، فيما طلب بينيا نييتو، دعم ميركل من أجل أن يتحقق هذا الهدف بحلول نهاية العام، معربًا عن أمله في تسجيل زيادة كبيرة في المبادلات التجارية مع الاتحاد الأوروبي، وشدد الرئيس المكسيكي على أن ألمانيا هي الشريك التجاري الأوروبي الأول لبلاده، فيما أثنت ميركل على "الالتزام القوي من أجل التبادل الحر الذي يبديه الرئيس المكسيكي". تأتي هذه التصريحات لبلورة تعهد قديم بين الطرفين في عام 2016 بإجراء مفاوضات من أجل تحفيز المبادلات التجارية بينهما عبر تحديث هذا الاتفاق، ومن المقرر أن تشمل إعادة التفاوض التجارة الإلكترونية والملكية الفكرية، حيث أتاح اتفاق التبادل الحر الذي دخل حيز التنفيذ عام 2000، إلغاء الحواجز الجمركية تدريجيًا وأدى إلى زيادة المبادلات والاستثمارات بين المكسيك والاتحاد الأوروبي، حيث وصل حجم المبادلات بين البلدين 17.8 مليار دولار عام 2016، فيما بلغ حجم الاستثمار المباشر الألماني في المكسيك 2.4 مليار دولار العام الماضي، ما يضع ألمانيا في المرتبة الثالثة بالنسبة للمكسيك بعد الولاياتالمتحدة وإسبانيا، وتعمل العديد من الشركات الألمانية بينها شركات لإنتاج السيارات. تصريحات ميركل التي حملت انتقادا مبطنا للنهج الحمائي الذي يتبعه الرئيس الأمريكي، تتزامن مع إبداء ترامب رغبته في إعادة التفاوض في اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية "نافتا" التي تضم الولاياتالمتحدة وكندا والمكسيك، والمعمول بها منذ 1994، مؤكدًا أنها تراعي مصالح جاره الجنوبي على حساب مصالح بلاده، وكان قد هدد بالانسحاب منها مرارًا قبل وبعد تنصيبه رئيسًا. على جانب آخر، فقد قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أمس السبت، في ختام زياتها إن تشييد الجدران لن يحل المشكلات التي تشهدها الدول بسبب الهجرة، مضيفة أن ما هو أهم من ذلك هو التصدي للأسباب التي تدفع الناس للفرار، وأضافت ميركل، أن التاريخ أظهر أنه عندما صارت الأمور على ما يرام بين الإمبراطوريات وجيرانها خفت ضغوط الهجرة على نحو ضمن استقرارها، وأقرت ميركل بوجود مشكلة تهريب البشر، وضرورة مكافحتها، معتبرة إياها مشكلة كبيرة، مؤكدة أنه "لن يكون من الممكن حلها عبر تحسين البنية الحدودية"، وذلك في انتقاد مبطن من ميركل لخطط الرئيس الأمريكي بناء جدار على الحدود المكسيكيةالأمريكية لإيقاف الهجرة غير الشرعية، حيث سبق أن تعهد ترامب ببناء جدار على الحدود مع المكسيك البالغ طولها 3 آلاف كيلو متر، لإيقاف الهجرة غير الشرعية ودخول المخدرات، واعدًا بإرغام المكسيك على دفع ثمن البناء، الأمر الذي رفضته الحكومة المكسيكية وأثار أزمة سياسية بين البلدين. رجح العديد من المراقبين أن تكون الزيارة الألمانية إلى المكسيك وتصريحات ميركل بهدف توجيه رسائل سياسية شديدة اللهجة إلى أمريكا، حيث تسعى المكسيك لتنويع شركائها التجاريين في مواجهة الغموض الذي يخيم على مستقبل علاقتها مع الولاياتالمتحدة منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فيما تحاول ألمانيا إيجاد شركاء جدد لها خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتغير السياسة الأمريكية تجاه برلين منذ تنصيب ترامب، وتأكيدات ميركل مؤخرًا على أنها لن تعتمد مجددًا على أمريكا. برزت الخلافات الأمريكية الألمانية التي تهدد العلاقات بين الدولتين، خلال زيارة ميركل إلى المكسيك ومن قبلها الأرجنتين وذلك على خلفية اتهامات وملاسنات بين الجانبين، جاء أهمها عندما اتهم ترامب ألمانيا بأنها مدينة لحلف شمال الأطلسي "الناتو" بمبالغ مالية هائلة مقابل الدفاع عنها، وأضاف الرئيس الأمريكي: أن برلين يجب أن تدفع للولايات المتحدة المزيد مقابل الدفاع القوي والمكلف جدًا الذي يتم توفيره لألمانيا، وقد جاءت هذه التصريحات اللاذعة بعد يوم واحد من زيارة قامت بها ميركل إلى البيت الأبيض في 17 مارس، والتقت خلالها ترامب، وهو اللقاء الذي وصفه العديد من السياسيين ب"الغرابة والفتور"، وقدم ترامب خلال اللقاء إلى ميركل فاتورة بمبلغ قدره 375 مليار دولار كدين بذمة ألمانيا لحلف الناتو، وفق صحيفة "صنداي تايمز" اللندنية. تصريحات ترامب ردت عليها ميركل بإعلانها المبطن انتهاء التحالف مع أمريكا، حيث قالت إن أوروبا يجب أن تعتمد على نفسها بسبب مواقف أمريكا في ظل حكم ترامب، وذكرت ميركل: مصيرنا بأيدينا، على أوروبا أن تصبح لاعبًا ناشطًا في القضايا الدولية، يجب أن نعتمد على أنفسنا في الفترة المقبلة. في ذات الشأن، فإن قرار الرئيس الأمريكي الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ قبل أسابيع أثار قلقًا كبيرًا في ألمانيا، وصب الزيت على نار الخلافات الأمريكية الأوروبية وخاصة الألمانية، حيث وجه وزير الخارجية الألماني سيجمار غابرييل، انتقادات حادة لترامب قائلاً: إن أي شخص يعمل على تسريع التغير المناخي من خلال إضعاف حماية البيئة، ويبيع المزيد من الأسلحة في مناطق النزاع ولا يرغب في حل النزاعات الدينية سياسيًا، يعرض السلام في أوروبا للخطر، وأضاف: سياسات الحكومة الأمريكية القصيرة النظر تلحق أضرارًا بمصالح الاتحاد الأوروبي، فالغرب أصبح أصغر وأضعف.