تخصصت في القراءات العشر، وأعطت الإجازة العلمية لكثيرين من القراء والشيوخ بمصر والعالم الإسلامي.. هي الشيخة أم السعد على نجم، من مواليد عام 1925بقرية البندارية مركز تلا بمحافظة المنوفية. فقدت بصرها منذ الصغر، بعد أن داهمها المرض وهي لا تتجاوز العام الأول من عمرها، وكان العرف والتقاليد قديمًا أن الأهالي يتجهون إلى العلاج بالزيوت والكحل، الذي قضى على أمل أن ترى مرة أخرى. خدمة القرآن الكريم كانت القرى والبيوت المصرية تهتم بحفظ القرآن الكريم، وتتفاخر بذلك بين العائلات، وكان من عاداتهم وهب الكفيف لخدمة القرآن الكريم، فحفظت أم السعد القرآن الكريم وهي في الخامسة عشرة من عمرها بمدرسة حسن صبح بالإسكندرية، وكانت تعيش بحارة الشمرلي بحي بحري العريق بالإسكندرية. وبعد أن أتمته حفظًا، كانت تود أن تتعلم القراءات العشر، فذهبت إلى الشيخة نفيسة بنت أبو العلا، التي تعلمت على يديها، ولكن في مقابل هذا، كان هناك شرط واحد، هو ألا تتزوج أبدًا، حيث وجدت الشيخة أبو العلا أن الزواج يشغل الفتيات عن حفظ القرآن والتعليم، فكانت ترفض تعليم البنات إلا عند الموافقة على هذا الشرط. الرغبة في تعلم القراءات العشر التزمت "أم السعد" بهذا الشرط خوفًا من معلمتها المعروف عنها الصرامة والقسوة، وعلى الرغم من تقدم الكثيرين لخطبتها، إلا أنها كانت ترفض بناءً على رغبة معلمتها، التي لم تتزوج حتى وفاتها وهى في سن الثمانين، انقطاعًا للقرآن الكريم، وبالفعل تعلمت، وأجادت الشيخة أم السعد القراءات العشر وهي في الثالثة والعشرين من عمرها. أخذت تقرأ القرآن الكريم كما تعلمت، وتجوده أمام الجميع من الرجال والنساء، وكانوا يشيدون بجمال صوتها وقراءتها وتجويدها، وكانت تحيي الحفلات الدينية الخاصة بالنساء، وتردد عليها لحفظ القرآن ونيل إجازات القراءات كثيرون من مختلف الأعمار والمستويات الاجتماعية من الرجال والنساء، حيث تتلمذ علي يديها عدد كبير من الشيوخ الرجال، أمثال القارئ عبد الحميد يوسف منصور، والقارئ أحمد نعينع، والشيخ مفتاح السلطني، ومحمد سعد السواح، ومصطفي عبد الغني الباز البطراوي من وزارة الأوقاف، بالإضافة إلى عدد من أساتذة وشيوخ معهد القراءات بالإسكندرية. 60 عامًا من الوفاء استمرت الشيخة أم السعد قرابة 60 عامًا تمنح الإجازة للقراء من مختلف بقاع العالم، حيث أهداها أحد التلاميذ رحلة حج وعمرة، وتم استضافتها سنة كاملة في الأراضي الحجازية، وهناك منحت إجازات في القراءات المختلفة لعشرات الحفاظ من كل البلاد الإسلامية: السعودية، باكستان، السودان، فلسطين، لبنان، تشاد، أفغانستان. فسند أم السعد من أعلى الأسانيد، وهو مشهور بين كل طلابها ومواقع القراءات. وفي أحد اللقاءات قالت أم السعد، "ستون عامًا من حفظ القرآن وقراءته ومراجعته جعلتني لا أنسى فيه شيئًا.. فأنا أتذكر كل آية، وأعرف سورتها وجزءها وما تتشابه فيه مع غيرها، وكيفية قراءتها بكل القراءات.. أشعر أنني أحفظ القرآن كاسمي تمامًا. لا أتخيل أن أنسى منه حرفًا أو أخطئ فيه.. فأنا لا أعرف أي شيء آخر غير القرآن والقراءات.. لم أدرس علمًا أو أسمع درسًا أو أحفظ شيئًا غير القرآن الكريم ومتونه في علوم القراءات والتجويد.. وغير ذلك لا أعرف شيئًا آخر". الزواج .. ولكن بلا أولاد لم تتحمل أم السعد البقاء على عهد معلمتها الشيخة نفيسة بنت أبو العلا، لتتزوج من تلميذها الشيخ محمد فريد نعمان، الذي كان من أشهر القراء في إذاعة الإسكندرية، وهو صاحب أول إجازة تمنحها، واستمر زواجهما لمدة 40 عامًا، ولم تنجب فيها أولادًا وكأن الله أرادها أن لا تنشغل عن القرآن الكريم. وعن ذلك تقول: "لم أستطع الوفاء بالوعد الذي قطعته لشيختي (نفيسة) بعدم الزواج، كان يقرأ عليَّ القرآن بالقراءات، ارتحت له، كان مثلي ضريرًا، وحفظ القرآن الكريم في سنّ مبكرة، فدرَّست له خمس سنوات كاملة، وحين أكمل القراءات العشر، وأخذ إجازاتها، طلب يدي للزواج فقبلت". توفيت أم السعد في رمضان، في التاسع من أكتوبر عام 2006، عن عمر يناهز واحدًا وثمانين عامًا، وقد شيعت جنازتها من مسجد ابن خلدون بمنطقة بحري بالإسكندرية.