تطورت الاحتجاجات بمحافظة تطاوينجنوبتونس لتشهد مزيدًا من التصعيد بمقتل أحد المعتصمين في منطقة الكامور، وباتت السلطات الأمنية والسياسية في البلاد أمام اختبار مهم بشأن قدرتها على التعامل المناسب مع المطالب الاجتماعية، حيث يشتكي الأهالي في تطاوين من تفشي البطالة وغياب التنمية رغم أن منطقهم هي مصدر الثروات البترولية، فاحتجوا ليطالبوا بما يرونه حقًّا طبيعيًّا لهم في الثروات. وبينما لم تنجح الحكومة التونسية حتى الآن في احتواء الوضع، تتزايد الدعوات في تونس لتفويت الفرصة على المتربصين المحتملين الذين قد يستغلون احتجاجات مشروعة للنيل من التجربة الديمقراطية في مهد الربيع العربي. أزمة تطاوين والمطالب الشعبية دخل اعتصام الكامور، جنوبتونس، فصلًا جديدًا بسقوط قتيل وعدة جرحى من بين المعتصمين، أحد الشبان لفظ أنفاسه الأخيرة متأثرًا بإصابات بليغة إثر دهسه بسيارة أمنية، أمس الاثنين، خلال عمليات كر وفر أعقبت إطلاق قوات الحرس الوطني الغاز المسيل للدموع على المعتصمين، عندما حاولوا مرة أخرى اقتحام محطة ضخ النفط بمنطقة الكامور. وتشهد منطقة الاعتصام في صحراء ولاية تطاوين، منذ السبت الماضي، حالة احتقان شديد، إذ نجح المعتصمون في دخول المحطة النفطية وإغلاق حنفية الضخ، سعيًا منهم لإجبار الحكومة التونسية على تلبية مطالبهم المتمثلة في إيجاد فرص عمل لأبناء المنطقة بالشركات النفطية، وتخصيص نسب من عائدات البترول لتمويل مشروعات تنموية محلية. الحكومة والسيطرة على المنشأة النفطية سرعان ما تمكنت وحدات الجيش التونسي المكلفة بحماية المنشآت البترولية من إعادة تشغيل المحطة، بعد أن أطلقت الرصاص في الهواء، ورغم دفع السلطات بمزيد من التعزيزات العسكرية والأمنية إلى المنطقة، فإن الهدوء الحذر لم يعمر طويلًا، بل امتدت الاضطرابات إلى مركز مدينة تطاوين ذاتها، فالإضراب الذي كان مقررًا لتضامن مع معتصمي الكامور تحول إلى صدامات مع قوات الأمن وأعمال شعب، فور وصول مصابي الاشتباكات بين قوات الحرس والمعتصمين إلى مستشفى المدنية، إذا أحرق المحتجون الغاضبون مقري إقليم الحرس الوطني والمنطقة الجهوية للأمن العمومي بعد انسحاب قوات الأمن منهما. تطورات تبعث على القلق من أن تنزلق الجهة الجنوبية وربما البلاد بأسرها إلى ما هو أخطر، لا سيما في ضوء تعاظم حركة احتجاج تضامنية مع أحداث تطاوين، كتلك التي جابت شارع «الحبيب بو رقيبة» في تونس العاصمة. المطالب التنموية ومشروعيتها كما يقر بذلك الاتحاد العام التونسي للشغل وهيئات المجتمع المدني ومعظم الأحزاب السياسية، يمكن أن تشكل فرصة لقوى متربصة بتجربة الانتقال الديمقراطي الفتية في تونس، عبر امتطاء مطالب الناس، وهو أمر قد يتعزز أكثر فأكثر كلما تأخرت الدولة في إيجاد الحلول الناجعة وتلبية تطلعات أهالي تطوين وغيرها، كما في المناطق التونسية المهمشة. وحول تلك النقطة يرى الوزير التونسي السابق وأستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية، فتحي الجراي، أن جميع المتابعين لأزمة الكامور، كانوا يعتقدون أن الأزمة ستطوى، بعد المفاوضات الأخيرة مع الحكومة، واستجابة الحكومة لجملة من مطالب المحتجين، قيل أن الحكومة حققت ثلاثة أرباع المطالب، لكن هناك جزءًا من المحتجين لم يستجب لمطالبه، الأمر الذي يعزز من فرضية التوظيف السياسي للأزمة، مع الأخذ في الاعتبار أن المنطقة حدودية، وهي على تخوم الصحراء والمنطقة العازلة لليبيا المهددة بالإرهاب. وكان الرئيس التونسي قايد السبسي، قد كلف الجيش الأسبوع الماضي ب«حماية المنشآت الحيوية للثروات الطبيعية لتفادي وقف الإنتاج مجددًا خلال أي احتجاجات»، الخطوة أقدم عليها السبسي وهو «يعي أن القرار خطير ولكن يتعين تطبيقه لحماية موارد البلاد التي قال، إن مسيرة الديمقراطية فيها أصبحت مهددة»، وعلى هذا النحو وفي حال استمرار الأزمة فإن الأمور من في حال تطورها أكثر، فإن صدامًا عنيفًا قد ينجم عن الحراك الشعبي الغاضب، والحكومة ممثلة بالمؤسسة العسكرية، الأمر الذي من شأنه أن يعقّد المشهد السياسي المرتبك في الأساس بتونس، فحكومة الشاهد لها تحدياتها، كما أن الصراعات داخل الأحزاب التونسية، على المستوى الداخلي والخارجي، تكاد لا تنتهي، بما في ذلك الحزب الحاكم نداء تونس. ولا يبدو الوضع الاقتصادي المهلل بعيدًا هو الآخر عما يحدث في تونس، بل قد يقوم مقام الزيت في إزكاء النار المشتعلة، حيث يصف خبراء اقتصاديون الوضع الاقتصادي في تونس ب«المعقّد» خاصة بعد الانزلاق الحاد للدينار التونسي مؤخرًا، وأكد رجل الأعمال، بسّام الوكيل، صاحب مجموعة الوكيل ورئيس مجلس الأعمال التونسي الإفريقي، أهمية التحكم في أداء الدينار بسوق الصرف لتفادي تداعياته على الاقتصاد التونسي وعلى نشاط الشركات بارتفاع تكلفة الاستثمار، معتبرًا هبوط الدينار بمثابة الضربة القاضية في 2017. ويرى مراقبون أنه بعد وفاة أحد المشاركين في تطاوين لا يستبعد أن تفاقم هذا الحادثة الأمور في تونس، فثورة 17 ديسمبر، التي أطاحت بالرئيس التونسي الأسبق، زين العابدين بن علي، كان وراؤها طارق الطيب محمد البوعزيزي، وهو شاب تونسي أضرم النار في نفسه أمام مقر ولاية سيدي بوزيد؛ احتجاجًا على مصادرة سلطات البلدية بمدينة سيدي بو زيد عربة كان يبيع عليها الخضار والفواكه لكسب رزقه.