ليلة دامية شهدتها بريطانيا أمس الاثنين، حيث تحولت أنغام الموسيقى في قاعة مانشستر أرينا، إلى أصوات صراخ وعويل ونداءات استغاثة، وانتقلت مشاعر الهدوء والاستمتاع خلال الحفل الذي أقامته المطربة، أريانا غراندي، إلى مشاعر رعب وفزع وكر وفر داخل قاعة الاحتفالات، وتتزامن هذه الهجمة الإرهابية مع قرب تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة مقررة في 8 يونيو المقبل. هجوم أرينا الأشد فتكًا منذ 2005 انفجار هائل، وقع مساء أمس الاثنين، هز مدينة مانشستر الواقعة شمالي بريطانيا، حيث استهدف الانفجار قاعة أرينا للحفلات، في وقت كان الحضور وغالبيته من المراهقين يغادرون القاعة، ليعم الذعر في المكان، حيث هرع الحاضرون من القاعة التي تتسع لقرابة عشرين ألف شخص، وحدث تدافع كبير أثناء الخروج من المكان، كما يشير شريط فيديو تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي، ليسقط 22 قتيلًا وأكثر من 60 جريحًا حتى الآن، ليكون أكثر هجمات المتشددين فتكًا في بريطانيا منذ مقتل 52 شخصًا في تفجيرات انتحارية، استهدفت شبكات النقل في لندن في يوليو 2005. ولم تتوقف البيانات الصادرة من الشرطة البريطانية منذ وقوع الانفجار، ففي البيان الأول أعلنت الشرطة أنها تلقت اتصالًا الساعة 22,33 بالتوقيت المحلي، لإبلاغها بمعلومات عن انفجار في أكبر صالة للحفلات في المدينة، مانشستر أرينا، تتسع لقرابة عشرين ألف شخص، وتحدث كل الشهود داخل الصالة وخارجها، عبر وسائل الإعلام البريطانية، عن سماع دوي انفجار كبير. وخرجت الشرطة مجددًا لتعلن تعاملها مع التفجير على أنه عملية إرهابية، وقالت إنها، بعد الانفجار بقليل، فجرت طردًا مشبوهة في حديقة الكاتدرائية وسط مدينة مانشستر التي تقع على بعد عشرات الأمتار من قاعة الحفلات المنكوبة، قرب محطة فكتوريا للقطارات، وأوقفت رحلات القطارات من المحطة التي تقع أسفل قاعة أرينا، وأضافت الشرطة أن الجسم المشبوه الذي نفذ فيه الانفجار لم يكن سوى ملابس متروكة في المكان. وعادت الشرطة مجددًا لتعلن أن شخصًا واحدًا هو الذي نفذ الهجوم وتم قتله في التفجير، حيث قال قائد شرطة مانشستر، إيان هوبكينز، نعتقد في هذه المرحلة أن الهجوم نفذه رجل واحد، مضيفًا: نعطي الأولوية لمعرفة ما إذا كان تصرف بمفرده أم ضمن شبكة، وأردف: يمكنني أن أؤكد أن المهاجم لقي حتفه في قاعة مانشستر أرينا للاحتفالات، ونعتقد أن المهاجم كان يحمل عبوة ناسفة فجرها ليتسبب في هذا العمل الوحشي. بعد ساعات قليلة من الهجوم الإرهابي، سُمع دوي في المركز التجاري البريطاني أرنديل، مما دفع الشرطة للهرع إلى هناك وإخلاء المركز وفرار العشرات، حيث مشطت المركز جيدًا لتتأكد من عدم وجود أي متفجرات أو عبوات ناسفة، وأعادت فتح المركز مرة أخرى، وأكدت في بيان أنها ألقت القبض على شاب في الثالثة والعشرين من عمره فيما يتصل بهجوم مانشستر، وقالت على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، اليوم الثلاثاء: فيما يتعلق بحادث الليلة الماضية في مانشستر أرينا، يمكننا أن نؤكد القبض على شاب عمره 23 عامًا في جنوب مانشستر. أنصار داعش يحتفلون رغم أنه حتى الآن لم تتبين أي جهة أو منظمة العملية، إلَّا أن أصابع الاتهام اتجهت سريعًا إلى التنظيمات المتطرفة التي تقاتل في سوريا والعراق، والتي تتسلل إلى الدول الأوروبية من خلال تركيا أو جيرانها، وفي الوقت ذاته احتفل أنصار تنظيم داعش على مواقع التواصل الاجتماعي، اليوم الثلاثاء، بالانفجار، حيث استخدمت حسابات مرتبطة بداعش على موقع التواصل الاجتماعي تويتر وسومًا تشير إلى الانفجار لنشر رسائل احتفالية، وشجع بعض المستخدمين على شن هجمات مماثلة منفردة بمناطق أخرى في الغرب، ونشروا تسجيلات مصورة للتنظيم تهدد الولاياتالمتحدة وأوروبا، وكتب أحد المتابعين على صفحة مرتبطة بالتنظيم على تليجرام: نستبشر عسى أن يكون الفاعل أحد جنود الخلافة، ونشر آخرون لافتة كتب عليها: من باريسوبروكسل البداية، وبلندن نقيم الولاية، في إشارة إلى هجمات منفردة مشابهة في بلجيكا وفرنسا أعلن التنظيم المسؤولية عنها. كيف تؤثر الهجمة على الانتخابات؟ مثلما أسكت الانفجار الهائل صوت المطربة الأمريكية، اريانا غراندي، فقد أسكت أيضًا أصوات الحملات الانتخابية التشريعية، حيث أدانت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، بشدة الحادث، وقالت، إن السلطات تتعامل معه باعتباره هجومًا إرهابيًّا، وأعلنت ماي أنها ستترأس اجتماعًا عاجلًا للحكومة بخصوص الانفجار، كما أعلنت تعليق الحملة الانتخابية لحزبها من أجل الانتخابات البرلمانية المبكرة التي ستجرى الشهر المقبل، فيما وصف زعيم حزب العمال المعارض، جيريمي كوربين، الحادث بالمروع، وأعرب عن تضامنه مع الضحايا، وأعلن كوربين انه اتفق مع ماي على تعليق الحملة إثر الاعتداء حتى إشعار آخر. في الإطار ذاته، رجح مراقبون أن ترفع هذه الهجمة من أسهم رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، في الانتخابات التشريعية المقررة في 8 يونيو المقبل، على اعتبار أن ماي، التابعه لحزب المحافظين، تنتهج سياسة متشددة جدًّا ضد المهاجرين، خاصة من الدول العربية، وقد تعهدت خلال حملتها الانتخابية الحالية، تحضيرًا للانتخابات التشريعية المقبلة، بخفض وتقييد الهجرة إلى بلادها، من دول الاتحاد الأوروبي وغيرها. كما أنها تحاول أن تقود بريطانيا لتصبح أكثر انعزالية، فلا تتورط في استنزاف وقتها ومواردها في القضايا الدولية التي لا تعد من أولوياتها بعد الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يروق لمعظم الشعب البريطاني، خاصة في الوقت الذي يُظهِر فيه الرأي العام البريطاني عداءً متزايدًا للمسلمين بعد هجمات مارس الماضي في بروكسل، وهجوم نيس في يوليو الماضي، وهجوم مانشستر أمس الاثنين، وتتزايد فيه حالة الإسلاموفوبيا في بريطانيا والاتحاد الأوروبي عامة، وهو ما يقود لمزيد من الضغط الشعبي على الحكومة البريطانية لاتخاذ مواقف أكثر صرامة فيما يتعلق بالعلاقات مع الدول ذات الأغلبية المسلمة، بالإضافة إلى اللاجئين.