يبدو أن الولاياتالمتحدة لم يبق لديها المزيد من الطموحات في جذب التأييد الدولي لمواجهة كوريا الشمالية، حيث توضح المؤشرات أن واشنطن قد تلجأ لخيار التفاوض السلمي بعدما فشلت في تشكيل جبهة قوية معادية لبيونج يانج. صرحت مندوبة الولاياتالمتحدة الدائمة لدى الأممالمتحدة، نيكي هايلي، بأن واشنطن مستعدة للحوار مع بيونج يانج في حال أوقفت الأخيرة اختباراتها الصاروخية، وقالت قبيل اجتماع عُقد أمس الثلاثاء لمجلس الأمن الدولي: نريد أن ننظر في العقوبات السارية وتشديدها، لن تترك الولاياتالمتحدة الدول التي ستساعد كوريا الشمالية وستفرض عقوبات عليها أيضًا. تتزامن التصريحات مع تأكيد وزير دفاع كوريا الجنوبية، هان مين-كو، أمام برلمان بلاده، أن تجارب إطلاق الصواريخ البالستية في كوريا الشمالية وبرنامجها الصاروخي برمته يسير بوتيرة أسرع مما كان متوقعًا، وأوضح الوزير الكوري، أن التجربة الصاروخية الكورية الشمالية التي تمت الأحد الماضي، رصدها نظام ثاد الأمريكي للدفاع الصاروخي، والذي أثار نشره غضب الصين، وكانت ناجحة، قائلا: يعتبر الصاروخ البالستي الذي أُطلق، متوسط المدى من نوع متطور مقارنة بصواريخ موسودان التي كانت تفشل باستمرار، وأشار إلى نوع من الصواريخ مصمم ليقطع مسافة تصل إلى ما بين 3 و4 آلاف كيلومتر. ورجح مسؤولون في كوريا الجنوبية، إعادة منظومة الدفاع الصاروخي الأمريكي "ثاد" التي تم تركيبها مؤخرًا، إلى واشنطن في حال وجود مشكلات إجرائية بعملية نشرها، وأكد زعيم الكتلة الحزب الديمقراطي الحاكم البرلمانية "وون شيك"، مجددًا أن نشر بطاريات منظومة الدفاع الصاروخي في كوريا الجنوبية يتطلب موافقة برلمانية، وأضاف: علينا أن ننظر في قضايا بينها إمكانية إعادة "ثاد" إذا لم تخضع بشكل صحيح للإجراءات القانونية المحلية. وسبق أن أبدى الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، استعداده للتفاوض مع زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ اون، قائلا في تصريحات أثارت دهشة البعض وسخرية الآخرين، أنه "مستعد للقاء زعيم كوريا الشمالية في الظروف المناسبة"، مضيفًا "سأفعل ذلك بكل تأكيد، هذا شرف كبير لي"، الأمر الذي انطوى حينها على مفارقات سياسية أمريكية أثارت السخرية. يبدو أن واشنطن لجأت إلى التفكير بجدية في التفاوض مع كوريا الشمالية بعدما فشلت في تشكيل جبهة قوية لمواجهته، حيث حاولت الإدارة الأمريكية تهديد وترهيب الدول الأخرى لدفعها إلى تطبيق المزيد من العقوبات ضد بيونج يانج، وإقناع جيرانها في شرق آسيا بالسير على النهج الهجومي الذي تتبعه أمريكا في التعامل مع كوريا الشمالية، لكن هناك توازن حقيقي في المنطقة، حيث يتم تقاسم وتوزيع النفوذ بين الصينوأمريكاوروسيا، فتحظى أمريكا بدعم اليابان، فيما تربط بكينوبيونج يانج علاقات ودية يتقاسم فيها كل من الطرفين المصالح والاتفاقات التجارية واسعة، فيما لا ترغب روسيا في زيادة النفوذ الأمريكي بالمنطقة، الأمر الذي يعني أن إعلان واشنطن عن ضربة عسكرية في هذا التوقيت سيشكل خللًا كبيرًا لتلك التوازنات وقد يدخل واشنطن في صراعات مع قوى كبرى، وهو ما أكده العديد من المراقبين، الذي رأوا أن "ترامب كان يعول كثيرًا على الحصول على دعم روسياوالصين لتوجيه ضربة محدودة تحد من قدرات كوريا الشمالية، لكنه لم يحظ بهذا الدعم، بالعكس وجهت له رسائل قاسية من بكينوموسكو". كوريا الجنوبية أظهرت بعد تولي رئيسها الجديد، مون جيه إن، جنوحها أكثر تجاه المفاوضات السلمية مع بيونج يانج، ومن المتوقع أن تعيد حكومته تشغيل مكتب الاتصال بين الكوريتين في قرية الهدنة الحدودية "بانمونجوم"، والذي تم إيقافه في شهر فبراير الماضي مع مجمع كيسونغ الصناعي، حيث قال نائب الرئيس للشؤون الخارجية، يانغ مو جين، إن إعادة الحوار بين الكوريتين ينبغي أن يبدأ بتطبيع مكتب الاتصال بينهما في بانمونجوم، مضيفًا أن تطبيع مكتب الاتصال في "بانمونجوم" قد يؤدي إلى اتصالات على مستوى العمل، ومحادثات رفيعة المستوى. وأظهرت روسيا أيضًا مؤخرًا لهجة ودية سلمية في التعامل مع الأزمة الكورية، حيث دعا الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أمس الثلاثاء، إلى "التحدث مع بيونج يانج بطريقة التفاوض والكف عن تهديدها وتخويفها والبحث عن سبل سلمية لتسوية القضية"، كما عرقلت موسكو في 20 إبريل الماضي، تبني بيان في مجلس الأمن الدولي يدين التجربة الصاروخية الكورية الشمالية، وقال دبلوماسيين حينها إن روسيا كانت ترغب في إضافة عناصر من بيان سابق يؤكد على ضرورة التوصل إلى حل عبر الحوار، الأمر الذي أظهر دعمًا سياسيًا روسيًا لبيونج يانج، ومظلة سياسية لها في المنظمة الدولية.