التحالف الأمريكي البريطاني لا يحتاج إلى أدلة وبراهين على وجوده، فبريطانيا كانت عبر العصور ولاتزال الداعم الأول والرئيسي للسياسة الأمريكية خاصة في الشرق الأوسط، فلا تدخل واشنطن حربًا دون أن تكون لندن المتورط الأول فيها، ناهيك عن التصريحات والخطوات البريطانية الداعمة بشكل غير مشروط لأمريكا سواء على المستوى السياسي أو الشعبي، لكن يبدو أن هذه السياسة تتجه إلى التحول أو الانقلاب بعض الشيء، فقد تكون بريطانيا تحاول إعادة حساباتها لتعود إلى رشدها بعد أن كلفتها الحروب التي تورطت فيها بسبب أمريكا، الكثير من العواقب سواء الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية. انتقادات بريطانية للسياسة الأمريكية وصفت لجنة العلاقات الدولية في مجلس اللوردات البريطاني، السياسة التي تتبعها إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في الشرق الأوسط ب"غير الموثوقة والهدامة"، وأنَّها قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار وتصاعد حدة الصراعات في المنطقة، وحثَّت اللجنة، في تقرير نشرته الثلاثاء الماضي، على سحب دعم بريطانيا لسياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط، محذِّرة من أن السياسات الخارجية للإدارة الأمريكية الجديدة قد تفتح المجال أمام المزيد من الاضطرابات والصراعات في الشرق الأوسط. بعد أن تناول تقرير اللجنة البريطانية مجمل الأوضاع في الشرق الأوسط، بدأ في تفصيل القضايا ذات الأهمية، حيث تطرق إلى القضية الفلسطينية، ونصح الحكومة البريطانية بالاعتراف بالدولة الفلسطينية وتسريع عملية السلام في المنطقة، ووضعها على جدول الأعمال، وذكر التقرير أن موازين القوة في المنطقة لصالح إسرائيل، التي تعمل على إعاقة إمكانية تحقيق حل الدولتين، وأن استمرار إسرائيل بتطبيق هذا النهج يعني أنه على بريطانيا الاستعداد لدعم قرارات تصدر عن مجلس الأمن الدولي تدين هذه الأعمال. وفيما يتعلق بالإدارة الكردية في العراق، ذكر التقرير أن الأكراد في العراق حلفاء على قدر كبيرٍ من الأهمية للمملكة المتحدة، وينبغي تقديم الدعم المالي للحكومة المحلية الكردية وقوات البيشمركة، لكن ينبغي على الحكومة البريطانية في الوقت نفسه، ألا تدعم مساعيهم الرامية إلى الاستقلال عن العراق. وفي الشأن السوري، أشار التقرير إلى ضرورة زيادة بريطانيا لجهودها من أجل التوصل إلى حل في سوريا، مضيفا أن الأسد لا يزال في السلطة بفضل الدعم الروسي، رغم تصاعد حدّة الهجمات بالأسلحة الكيميائية والاشتباكات المسلحة، وأشار إلى أنه ما من خيار جيد في سوريا، لكن الهجوم الكيميائي الأخير الذي استهدف بلدة خان شيخون بمحافظة إدلب السورية، والأزمة الإنسانية وأزمة طالبي اللجوء في الاتحاد الأوروبي، واحتمال أن تؤدي إلى زعزعة الاستقرار في دول الشرق الأوسط والمملكة المتحدة، جعلت من مسألة زيادة حجم الجهود المبذولة للتوصل إلى تسوية تفاوضية حاجة ملحة. وفيما يتعلق بالسعودية وعدوانها على اليمن المستمر منذ أكثر من عامين، طالبت اللجنة في تقريرها، بتبني مواقف أكثر حزمًا تجاه المملكة العربية السعودية، واتخاذ إجراءات من بينها وقف بيع الأسلحة لها، وخلص تقرير اللجنة إلى ضرورة أن تنأى بريطانيا بنفسها عن السياسة الخارجية الأمريكية، وتعيد رسم ملامح سياساتها الخارجية بعيدًا عن سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة. أما فيما يتعلق بالاتفاق النووي، أوصت اللجنة وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، بدعم الاتفاق النووي الإيراني، الذي أبغضه البيت الأبيض في عهد ترامب، واقترحت اللجنة على المملكة المتحدة وأوروبا، تخفيف اللوائح المصرفية لفتح مصادر تمويل جديدة لطهران، حتى لو لم تحذو واشنطن حذوها، وقالت: إن ترامب ليس لديه الدعم الدولي لتمزيق صفقة إيران الحالية، محذرة بقولها: هناك منطق تصعيد خطير للنهج الأمريكي. انتقادات سابقة انتقادات مجلس اللوردات لم تكن الأولى التي تشير إلى تبعية بريطانيالأمريكا وتورطها في حروب لا ناقة لها ولا جمل، بشكل مثير للدهشة والاستفزاز لدى بعض السياسيين، حيث سبق أن أكدت صحيفة "الديلي ميل" البريطانية في تقرير لها خلال الشهر الماضي، أن الولاياتالمتحدة حليفة لبريطانيا، لكن يجب ألا تكون الأخيرة مثل كلب مطيع لها، وذكر التقرير "من الواضح أن الصقور الجدد على جانبي الأطلسي في داخل الولاياتالمتحدة، قد جروا بريطانيا إلى حربين كارثيتين في العراقوأفغانستان، وأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي كان قد وعد خلال حملته الانتخابية بتقليل التدخل الأمريكي في الخارج، بدأ بالتراجع عن وعوده، وفعل العكس تمامًا حينما وجه ضرباته الصاروخية لسوريا". وأضاف تقرير الصحيفة البريطانية أن "أولئك الصقور الجدد في الإدارة الأمريكية كانوا قد خدموا في الإدارات السابقة ولم يتوبوا بعد من الدرس الذي تلقوه في العراق، لذا فإن انعكاس سياسة ترامب تجاه ما وعده به وتراجعه، يهدد بتصعيد مرعب في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يتوجب على بريطانيا باعتبارها حليفًا أن تظهر الدعم للولايات المتحدة، لكن الحليف عليه أن ينصح أحيانًا بضبط النفس، وليس السير إلى جانب العدوان الأمريكي كما فعلنا في غزو العراق عام 2003″، وأشار إلى أن "إعلان بريطانيا دعمها غير المشروط للولايات المتحدة يهدد بجر البلاد مرة أخرى إلى تدخل عسكري مكشوف في سوريا، وسنكون حينها معلقين بذيل معطف ترامب"، وأكد التقرير أن جميع الأدلة التي توفرت عن مغامرات بريطانيا في العراقوأفغانستان وليبيا، تشير إلى أنها كانت مغامرات خاطئة، وبالتالي فإن على بريطانيا أن لا تكون مثل كلب مطيع للولايات المتحدة. بريطانيا.. الحليف الوفي لأمريكا رأى العديد من المراقبين والسياسيين أن بريطانيا تعتبر ظل الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ عام 1900، حيث شاركت معها في الحرب العالمية الأولى عام 1914، ثم الحرب العالمية الثانية عام 1939، ثم الحرب الباردة عام 1945، وحرب الخليج الثانية عام 1991، ثم حرب أفغانستان عام 2001، واحتلال العراق عام 2003، ولم ينته الأمر عند هذا الحد، بل دخلت معها في التحالف الدولي الذي أنشأته واشنطن بذريعة قتال تنظيم داعش في سورياوالعراق، كما أنها شاركت أمريكا تدريب وتسليح إرهابيين في سوريا، من خلال إرسال نحو 75 عسكريًا للانضمام إلى البرنامج الذي تقوده الولاياتالمتحدة، وظهر في تصريحات وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، مؤخرًا دعم المملكة المطلق لأمريكا في سوريا، حيث قال إن بريطانيا لن تتمكن من رفض طلب الولاياتالمتحدة دعمها في أي إجراء عسكري موجه للأهداف التابعة للحكومة السورية. في الإطار ذاته، سارت المملكة المتحدة على خطى حليفتها الأمريكية في السعودية، فتمد المملكة بالأسلحة التي تستخدمها في عدوانها على اليمن بتوجيهات أمريكية، ورغم أن العديد من الدول والهيئات والمنظمات الدولية الحقوقية والإنسانية دعت لندن إلى الكف عن التورط ودعم العدوان السعودي في اليمن، إلا أن التعليمات الأمريكية يبدو أنها لم تصل بعد إلى بريطانيا لوقف إمداداتها التسليحية. بعيدًا عن الحروب والتحركات العسكرية، تسير بريطانيا أيضًا على خطى حليفتها الأمريكية في الشؤون السياسية والتعاملات والتحالفات مع الدول الأخرى، فكثيرًا ما حددت أمريكا المسار لعلاقة بريطانيا مع الشرق الأوسط، فتعد لندن الحليف الرئيسي لواشنطن في المفاوضات مع بروكسل حول منطقة التجارة الحرة بين طرفي الأطلسي أمريكا وأوروبا، كما أنها لعبت دورًا مهمًا في إقناع الاتحاد الأوروبي بالتحالف مع واشنطن في فرض عقوبات على روسيا في العام 2014، حتى أن بريطانيا سارت على نهج حليفتها في القوانين المنظمة لحركة الطيران، فبعد ساعات من إصدار إدارة ترامب قرارًا يفرض تشديدات على الأجهزة الإلكترونية للمسافرين القادمين من 10 مطارات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من بينهم القاهرة وعمان واسطنبول والدوحة ودبي وأبو ظبي والدار البيضاء، اتخذت بريطانيا قرارًا مماثلًا يقضي بحظر حمل الأجهزة الإلكترونية مثل اللاب توب على متن الطائرات المتجهة إلى المملكة المتحدة والقادمة من دول عديدة مثل تركيا ولبنان والأردن ومصر وتونس والسعودية.