كشفت الأزمة الكورية الشمالية الأمريكية، التناقضات التي تدور في البيت الأبيض بين الرئيس دونالد ترامب، ومسؤولي إدارته؛ ففي الوقت الذي تُقلع فيه القاذفات وتسير فيه حاملات الطائرت لتهدد بيونج يانج، يخرج الرئيس الأمريكي ليخفض نبرته الحادة التي سادت الأجواء بين الطرفين الكوري والأمريكي خلال الفترة الأخيرة، الأمر الذي يُصعب التكهن بالخطوة المقبلة لكلا الطرفين، ويثير قلق القوى المعتمدة على الولاياتالمتحدة في التصدي لبينوج يانج وعلى رأسها إسرائيل. تراجع أمريكي أكد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أمس الاثنين، استعداده للقاء الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ اون، في الظروف المناسبة، وأضاف في مقابلة مع قناة "بلومبرج": "إذا كان مناسبًا أن التقي به، فسأفعل بكل تأكيد، سيشرفني ذلك". التصريح المثير للدهشة سبقه إشادة مماثلة من ترامب نفسه ب"حذاقة الزعيم الكوري الشمالي"، وبراعته في الاستيلاء على السلطة ووصفه ب"المحنك الماكر جدًا"، قائلا في حديث لشبكة "سي بي أس" الأمريكية، إنه لاحظ أن الزعيم الكوري تمكن من استلام السلطة في عمر مبكر، على الرغم من تعامله مع بعض الأشخاص الشرسين جدًا. من جانبه، علق رئيس جهاز البيت الأبيض، راينس بريبوس، على إمكانية إجراء مباحثات مباشرة بين الرئيس دونالد ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون: "احتمال بعيد المنال"، وأضاف: "لا أعتقد، لا ليس الآن، قد يحدث الأمر فقط إذا قرر الزعيم الكوري التخلي عن الأسلحة التي يخبئها في كل أنحاء البلاد، ويتخلى عن برنامجه النووي وصواريخه البالستية"، مؤكدا أن بلاده ستضطر لإجراء الكثير من المباحثات والمفاوضات مع زعماء عالميين وإقليميين لضبط ومراقبة الوضع في شبه الجزيرة الكورية. تصعيد عسكري تصريحات ترامب الودية بشأن مقابلته مع زعيم كوريا الشمالية، تتناقض تمامًا مع التحركات العسكرية الأمريكية مؤخرًا؛ حيث حلقت قاذفتا قنابل أمريكيتان فوق أراضي كوريا الجنوبية، وبحسب قيادة المحيط الهادئ لسلاح الجو الأمريكي، فإن قاذفتي قنابل "B-1B Lancer" أقلعتا أمس الاثنين، من قاعدة أندرسين في غوام لإجراء مناورات مشتركة مع سلاح الجو الكوري الجنوبي والياباني، وفي الوقت ذاته، أعلن مسؤول أمريكي، أمس الاثنين، أن نظام ثاد المضاد للصواريخ الذي نشرته الولاياتالمتحدة للتو في كوريا الجنوبية، أصبح عملانيًا، وأضاف أن النظام بلغ قدراته الأصلية لاعتراض الصواريخ. التحركات الأمريكية أثارت غضب بيونج يانج، التي أصدرت تحذيرا من أن "جيش كوريا الشمالية يتابع بيقظة الأعمال العسكرية للإمبريالية الأمريكية، وبيونغ يانغ جاهزة للرد على أي حرب تشعلها الولاياتالمتحدة باستخدام قوة الردع النووي"، ونصحت الوكالة الرسمية الكورية الشمالية واشنطن بألا تنسى تحذيرات الجيش الشعبي الكوري الصارمة. وأكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الكورية الشمالية، أن بيونغ يانغ على استعداد تام للرد على أي خيار تتخذه الولاياتالمتحدة، مضيفًا أنها ستواصل زيادة قدراتها على صعيد الضربات النووية الاستباقية، ما لم تتخل واشنطن عن سياساتها العدوانية. تورط ومخاوف إسرائيلية على جانب آخر، فإن موقف ترامب الذي أثار دهشة العديد من السياسيين والمراقبين جاء بعد أسابيع تضاعفت فيها حدة التوتر بين أمريكاوبيونج يانج، حيث تبادل الطرفان تصريحات وتهديدات واتهامات نارية، وصلت إلى دخول إسرائيل على خط الخلاف بينهما، الأمر الذي جعل تراجع ترامب المفاجئ عن موقفه بمثابة تخلٍ أو إحراج للقيادات الإسرائيلية التي صعدت نبرتها في وجه كوريا الشمالية بالتناسق مع النبرة الأمريكية. قبل أيام، هاجم وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، معتبرًا أنه حليف للرئيس السوري بشار الأسد، ووصف قادة كوريا الشماليةوإيران وسوريا وحزب الله ب"المتطرفين والمجانين الذين هدفهم هو تقويض الاستقرار في العالم"، لترد كوريا الشمالية مهددة ب"عقاب لا يرحم"؛ حيث قالت وزارة الخارجية الكورية الشمالية: "وزير الدفاع الإسرائيلي مس بتصريحاته شرف القائد العظيم، الحديث يدور عن كلمات غير مسؤولة واتهامات تتناقض وقيم دولتنا، إسرائيل هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك أسلحة نووية بحماية من الولاياتالمتحدة، إسرائيل دولة تشكل عائقا في منطقة الشرق الأوسط، وتحتل مناطق عربية وتنفذ جرائم ضد الإنسانية"، وأشارت الوزارة إلى أن "وجهة نظر كوريا الشمالية، تقوم على العدالة والسلام، ولذلك فإن موقفنا حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو أن الفلسطينيين على حق في نضالهم لنيل حقوقهم في الأراضي المحتلة وإقامة دولتهم الخاصة بهم". رغم أن إسرائيل تعارض وتخشى أي مواجهة أمريكية كورية شمالية؛ لإدراكها الجيد بأن المواجهة ستصل بالضرورة إلى الساحة الإسرائيلية، وأن بُعدها آلاف الكيلومترات عن موقع النزاع، لن يمنع من أن تطولها نيران هذه المواجهة، لكنها في الوقت نفسه لا تريد تراجع اللهجة الأمريكية في مقابل كوريا الشمالية، حيث تتخوف الإدارة الصهيونية من أن يتم تفسير هذا التراجع الأمريكي على أنه مؤشر ضعف في لحظة التحدي الحقيقية بين الزعيمين، مما سينعكس سلبًا على صورة قوة الردع الأمريكية في مواجهة خصوم واشنطن وتل أبيب، وعلى رأسهم إيران وحزب الله، اللذان يعتبران الأعداء اللدودين للكيان الصهيوني وحليفته الأمريكية، وبالتالي تظل إسرائيل تدعم إظهار الولاياتالمتحدة الحزم في الموقف والثبات على السقف الذي تطمح إليه مع بيونج يانج، ما قد يفسر الانتقاد الأخير الذي وجهه ليبرمان لزعيم كوريا الشمالية، رغم أن إسرائيل ليست معنية بإقحام نفسها في هذه الأزمة.