مع تسارع الأحداث وتوارد الأنباء عن قرب التجهيز لأمر عسكري كبير في البادية السورية القريبة من الحدود الأردنية من داخل أراضي المملكة الهاشيمة، كان طبيعيًّا أن يحدث سجال كلامي بين القيادة السورية والأردنية يصل إلى التوتر الشديد في العلاقة، الأمر الذي تجنبه الجانبان طول عمر الأزمة السورية، وذلك على خلفية اتسام الموقف الأردني المعلن بالحياد النسبي، وإن كان أراضيها مثلت منطلقًا للجماعات المسلحة في فترات عديدة. ولكن بعد وصول ترامب إلى سدة الحكم الأمريكي، يبدو أن الوافد الجمهوري الجديد اعتمد على الأردن فى تنفيذ سياساته الجديدة في الملف السوري، أول تلك السياسات هو تنفيذ مشروع أعلن كثيرًا في الصحف الأجنبية والعربية عن قرب إطلاقه بسمى درع البادية، على غرار «درع الفرات» الذي أجرته تركيا في الشمال السوري لقتال تنظيم داعش. وعلى خلفية تلك التطورات واتهام دمشق للأردن بأنه يعد العدة لإدخال قوات إلى سوريا، وصدور معلومات تحدثت عن مشاريع أمريكية أردنية مشتركة على طول الحدود السورية الجنوبية، اندلعت معركة سياسية وإعلامية غير مسبوقة بين الأردنوسوريا، بدأها الرئيس السوري بشار الأسد الذي أكد علم دمشق بتلك المعلومات من مصادر مختلفة، مهاجمًا الدور الأردني خلال الحرب السورية، الذي كان «جزءًا من المخطط الأمريكي منذ بداية الحرب». ويبدو على خلفية هذه التطورات أن الجنوب السوري سيكون في الفترة المقبلة مسرحًا لعمليات عسكرية مدعومه أمريكيًّا، سوف تحاول من خلاله واشنطن بمساعدة الأردن ودول خليجية وإسرائيل إضعاف النفوذ السوري وحلفائه، حيث أشارت أمريكا عبر وزير دفاعها جايمس ماتيس في تصريحات له من قبل إلى أن واشنطن تحاول أن تنشئ تحالفًا بين إسرائيل والأردن ودول الخليج لتعاون أمني أوسع في المنطقة، في إشارة إلى الملفات الصعبة والمتأزمة وعلى رأسهم الملف السوري. واعتبر الرئيس الأسد في مقابلة مع وكالتي «ريا نوفوستي» و«سبوتنيك» الروسيتين أن «الأردن ليس بلدًا مستقلًّا، وكل ما يريده الأمريكيون سوف يحدث» بحسب حديثه، «فإذا أرادوا استخدام الجزء الشمالي من الأردن ضد سوريا، فإنهم سيستخدمونه»، وفي المقابل استفز كلام الرئيس السوري الحكومة الأردنية، فبعد ساعات على نشر المقابلة أعرب المتحدث باسم الحكومة محمد المومني عن «أسفه لحديث الأسد عن موقف الأردن وهو لا يسيطر على غالبية أراضي سوريا»، ورأى أن «حديث الأسد منسلخ تمامًا عن الواقع». وأوضح الوزير حسب تصريح له نشرته وكالة الأنباء الرسمية "بترا" أن حديث الأسد يدلل على حجم التقدير الخطير الخاطئ لواقع الأزمة السورية بأبسط حقائقها، وأنه مستغرب أن يتم الاعتقاد أن أول دولة دعت للحل السياسي للأزمة السورية وأقنعت العالم بهذا الحل ستدفع الآن باتجاه الحل العسكري. لكن الحديث عن تدخل الأردن بحسب الأوساط العربية والأمريكية ذاتها لم يكن بالغريب، لا سيما في الآونة الأخيرة، في ظل مواقف للأردن كانت لافتة تجاه الأزمة السورية والحديث عن مناطق آمنة بالتنسيق مع واشنطن، والوقوف إلى جانب واشنطن في ضرباتها الأخيرة على سوريا، والحديث عن رحيل الأسد الذي لم يكن ضمن متون التصريحات الأردنية سابقًا، إذن فكل المؤشرات البعيدة عن التصريحات الرسمية الأردنية تؤكد أن عمان تنتظر الضوء الأخضر لأداء دورها فيما يعرف بالتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب. وعلى الرغم من نفي الأردن المستمر بأن أرضه لم تكن منطلق لعمليات ومشاريع داخل سوريا، إلا أن ما يدور في الكواليس عن أهداف المشروع الأمريكي يتحدث عن إدخال قوات تعرف ب«المعارضة السورية المعتدلة»؛ لفرض كامل سيطرتها على البادية السورية ومساحات واسعة غرب الفرات، بعد تدريبها داخل معسكرات في الأردن. وبخلاف الرد السوري السياسي على الأردن، يحاول النظام السوري أن يتحرك عسكريًّا على الأرض، حيث يسعى لاستباق الأحداث؛ لبسط سيطرته على كل التجمعات الهامة في البادية؛ لمنع هذه العملية من نقاط ارتكاز مهمة لها في صحراء تدمر، فقد يفشل المشروع بأكمله اذا نجح النظام السوري في هذا الأمر؛ لأن المسافة من الحدود الأردنية إلى هذه المنطقة طويلة جدًّا؛ مما يجعل من غير الممكن لأي قوة عسكرية برية أن تصل إلىها دون أن يكون لديها مراكز أو نقاط سيطرة وحاميات فرعية قريبة.