يتجه التنظيم الإرهابي "داعش" في العراق إلى التقلص والانحصار، حيث باتت الرقعه الإرهابية التي يتواجد فيها التنظيم ضيقة للغاية، الأمر الذي يوحي بأن العراق على موعد قريب مع استئصال الورم الداعشي الخبيث من الجسد العراقي الذي أصبح نحيلًا، لكن هذا لا ينفي أن العراق لا تزال تعاني من العديد من التحديات، وأن التغلب على عقبة تنظيم داعش في العراق لا يعني أن الدولة ستدخل عهد التقدم والنهوض سريعًا، بل سيفتح ذلك العديد من الملفات الشائكة في الداخل العراقي، أولها من سيسيطر على المناطق المُحررة بعد داعش، ووضع الحشد الشعبي بعد انتهاء المعارك، وأزمة كركوك التي لا تزال مشتعلة. أعلن المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة، العميد يحيى رسول، أمس الثلاثاء، أن المساحة المسيطر عليها من داعش حتى 31 مارس الماضي تبلغ 6.8 في المائة من مساحة العراق، وأشار المتحدث إلى أن مساحة الأراضي التي كان يحتلها التنظيم كانت تبلغ 108.405 ألف كلم مربع، أي أربعين في المائة من مساحة العراق، بعد تمدده في العاشر من يونيو 2014. في الوقت نفسه أكد أستاذ الإعلام في جامعه بغداد، عمر صلاح الدين، أن التنظيم الإرهابي فقد الكثير من قدراته الإعلامية التي كان يعتمد عليها اعتمادًا كليًّا في حربه العسكرية والنفسية، وذلك بعد خسارة العديد من المقرات التي يبث منها معلوماته وأخباره أمام تقدم القوات العراقية في مدينة الموصل شمالي العراق، وأضاف "صلاح الدين" أن القصف الذي يستهدف التنظيم في مدينة الموصل نجح في تدمير ما يقرب من 70% من مراكز الإعلام والدعاية الخاصة به، وأوضح أنه بعد تراجع الماكينة الإعلامية للتنظيم، تراجعت قدراته على اجتذاب المجندين الجدد والمقاتلين داخل المدينة. يأتي هذا التقدم العراقي بعد تشديد القوات المسلحة لضرباتها على آخر أكبر معاقل المتشددين في العراق، في المدينة القديمة بالموصل، حيث تخوض القوات العراقية منذ عدة أسابيع معارك ضارية هناك، لكنها تواجه مقاومة شديدة أدت إلى تباطؤ تقدمها، إلا أنها في النهاية استطاعت إنجاز العديد من التقدمات العسكرية التي مكنتها من حصر التنظيم الإرهابي في رقعه لا تتخطى 6.8%، الأمر الذي يعني بداية النهاية للتنظيم الإرهابي. وكانت القوات المسلحة العراقية قد أطلقت عملية تحرير الموصل في أكتوبر الماضي، وفي 24 يناير الماضي تمكنت القوات العراقية من إنهاء حملتها لتحرير الشطر الشرقي من مدينة الموصل، لتبدأ في 19 فبراير عملية كبيرة في غرب الموصل، استعادت خلالها السيطرة على العديد من الأحياء والمواقع المهمة، من بينها مبنى مجلس محافظة نينوى، وكبرى مدنها "الموصل"، ومتحف المدينة الموصل. اندحار التنظيم الإرهابي لا يعني انتهاء التحديات العراقية التي تواجهها مؤسسات الدولة، بل سيفتح الباب أمام المزيد من التحديات الكبيرة التي كانت متوقفه أو تم تجنب الحديث فيها مؤقتًا بسبب الحرب الدائرة في البلاد والتي تهدف إلى طرد داعش، الأمر الذي يشير إلى أن مرحلة ما بعد "داعش" لن تكون سهلة بالنسبة لمؤسسات الدولة العراقية. تأتي على رأس هذه التحديات النزاع الذي سيشتعل فور سقوط داعش، حول من سيسيطر على المناطق المتنازع عليها بعد دحر التنظيم الإرهابي، فكل المكونات السياسية تتسارع للسيطرة على الأراضي المحررة، خاصة أن الكثير من هذه الأراضي غنية بالنفط، ما يعني أن الجهة التي ستسيطر عليها ستملك بالنتيجة نفوذًا سياسيًّا في بغداد، الأمر الذي ينبئ بخروج مشاهد غير مسبوقة من النزاعات السياسية. الوضع المشتعل في محافظة كركوك حتى قبل سقوط "داعش" يعتبر نموذجًا مُصغرًا لما سيحدث بعد سقوطه، حيث تنادي المحافظة بإجراء استفتاء للانفصال عن الدولة والانضمام إلى إقليم كردستان، إلا أن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أكد أمس الثلاثاء، استبعاد إمكانية إجراء استفتاء مع وجود مناطق مغتصبة ونازحين، فيما أشار إلى أن حكومته تطمح لحل كل ما يتعلق بالمناطق المتنازع عليها بالحوار، كما أن ملف انفصال إقليم كردستان لا يمكن فصله عن أزمة كركوك، الأمر الذي ينبئ باشتعاله من جديد بعد اندحار داعش، خاصة مع اشتعال أزمة حصة كردستان في ميزانية 2017. على الجانب الآخر فإن طريقة التعامل مع قوات الحشد الشعبي ستكون موضع خلاف كبير بين الحكومة العراقية المؤيدة للحشد وتراه قوة عراقية شرعية، وبعض المكونات السياسية هناك التي تعتبره فصيلًا سياسيًّا أقحم نفسه في المعارك العراقية؛ ليتمكن من اتخاذ وضع سياسي وعسكري أفضل، وهذه الفئة الأخيرة ترى أن الهدف وراء تشكيل الحشد الشعبي في عام 2014 كان محاربة "داعش"، ومع تحقيق الهدف تنتهي مهمة الحشد في المجتمع العراقي. خروج القوات الأمريكية والتركية المتواجدة في العراق بذريعة مكافحة تنظيم "داعش" سيكون أيضًا نقطة خلاف، حيث تنبئ المؤشرات بأن القوتين الأمريكية والتركية لا تنويان الخروج من العراق بعد استيلائهما على بعض أراضيها بذرائع قتالية، حيث تعهد المتحدث باسم قوات التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة، الكولونيل جون دوريان، بعدم التخلي عن العراق بعد استعادة الموصل، قائلًا: "بعد استكمال المهمة، ستبقى قوات التحالف هنا لدعم شركائنا العراقيين في قضائهم على تنظيم داعش في كل زاوية من زوايا العراق"، فيما أكدت القيادات التركية مرارًا أنها لن تترك العراق، وستظل قواتها منتشره في قاعدة بعشيقة الواقعة في الموصل بمحافظة نينوى. أضف إلى التحديات السابقة بعض المعارك السياسية المنتظرة داخل البرلمان العراقي الذي لا يمر عليه شهر دون أزمات، ناهيك عن الأزمات الاقتصادية التي تمر بها الدولة العراقية، خاصة مع انخفاض أسعار النفط واحتياج الدولة إلى أموال طائلة لإعادة تأهيل المدن والبنى التحتية المُدمرة في الحرب مع داعش، والتي تُقدر بنحو 14 مليار دولار، أضف إلى ذلك مهمات القوات الأمنية العراقية في تأمين الحدود العراقية مع سوريا، والتي لا تزال مستمرة في محاربتها للإرهاب، وتواصل محاولات تضييق الخناق على التنظيمات المسلحة هناك، الأمر الذي يجعل العراق مهددًا بتسرب بعض العناصر المسلحة إلى أراضيه من جديد، ناهيك عن أزمات النازحين من عموم العراق. كل هذه التحديات لا تخفى على الإدارة العراقية، حيث قال رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أمس الثلاثاء، إن الانتصار على تنظيم داعش بات في اليد، مشيرًا إلى أنه ما زالت هناك تحديات كبيرة رغم ذلك، وأضاف العبادي: النصر في اليد، ولكن أمامنا تحديات كبيرة وخطيرة. ودعا العبادي إلى التنافس المشروع على غرار ما يحدث في جبهات القتال من سباق على التضحية من أجل الوطن والمقدسات، محذرًا من دعوات طائفية ستؤدي إلى شق الصف الوطني.