في الوقت الذي تضيّق فيه القوات السورية الخناق على الجماعات الإرهابية في مدينة الباب وريف حلب، ويشتد فيه القصف الروسي والسوري على تجمعات المسلحين هناك، وتقترب معركة الموصل في العراق من الانتهاء وتحرير المدينة، يبحث الإرهابيون عن ملجأ جديد، نتيجة انكماش رقعة تواجد الجماعات المسلحة، التي لم تجد أفضل من الأردن التي تربطها حدود واسعة مع سوريا، تصل إلى 375 كم، ومثيلاتها مع العراق تصل إلى 181 كم. وأكدت مصادر رسمية أردنية، تزايد التحركات العسكرية الأردنية على الشريط الحدودي مع سوريا، إضافة إلى وجود تعزيزات أمنية غير مسبوقة؛ لرفع مستوى الجاهزية في حماية الحدود، مضيفة أن ما شاهده السكان من إمدادات عسكرية، أمر اعتيادي في مثل هذه الظروف، وبينت أن القوات المسلحة الأردنية قادرة على حماية الحدود مع سوريا والتصدي لأي ظرف قد يحدث، ومنع حالات التسلل عبر الحدود. وزادت التعزيزات والاستنفار الأمني، حالة القلق والترقب داخل الأوساط السياسية والعسكرية في الأردن بعد نشر تنظيم داعش تهديدًا علنيًا يعد الأعنف تجاه المملكة، يدعو إلى التحرك من أجل تنفيذ عمليات على غرار هجوم الكرك، حيث بثت الجماعة الإرهابية تحت مسمى "ولاية الفرات"، الخميس الماضي، تصريحات لعناصر أردنيين ينتمون لها، ينحدرون من عشائر عريقة مثل "الدعجة، المجالي، عربيات"، وغيرها، بعد حديث ما أسمته ب"خيانة حكام الأردن"، وعملهم لصالح دول الغرب، وأقدم أربعة من هؤلاء العناصر على نحر أربعة سوريين قالوا إنهم من الصحوات الذين تدربوا في الأردن لقتال "داعش"، كما أقدم مسلح خامس على نحر عنصر في المعارضة السورية التي تلقت دعمًا وتدريبًا في الأردن. وتحت عنوان "فأبشروا بما يسوؤكم"، نعى التنظيم أبرز الأردنيين لديه، عمر مهدي زيدان، بعد تواتر أنباء مقتله في الأسابيع الماضية، وهاجمت الجماعة الإرهابية القبائل التي أعلنت براءتها من أبنائها الذين تورطوا بعمليات إرهابية، مثنية في الوقت ذاته على قتلى عملية الكرك، وتغنت بصمودهم لساعات طويلة أمام القوات الأمنية، وقالت هذه العناصر خلال البث: "دماء قتلى هجوم الكرك ستكون وقودًا لمن بعدهم.. والإعدامات الأخيرة التي نفذتها الحكومة الأردنية لمدانين بالإرهاب، جاءت لطمأنة الغرب لن تخلق الاستقرار كما يريد الأردن". في الشأن ذاته، ردت عشائر أردنية على ظهور أقارب لهم في شريط الفيديو الذي بثه تنظيم داعش، بأن الأمر لا يخيفهم، وأن تهديد المملكة عادة قديمة للتنظيم الإرهابي، وأصدرت معظم القبائل بيانات رافضة للتهديدات، مؤكدة عزمها على التضحية من أجل استقرار الوطن، وحذر "تجمع أبناء عشائر الدعجة"، من المساس بأمن الأردن واستقراره، قائلين إنها "خطوط حمراء يمنع تجاوزها من أي كان، ونفديها بالمهج والأرواح، فقد كنا ولا زلنا وسنبقى المدافعين الأقوياء عن ذلك"، وأضاف البيان أن أبناء عشائر الدعجة لن يقفوا مكتوفي الأيدي تجاه تلك الدعوات المشبوهة والمضللة والحاقدين والمتربصين بأمن البلد واستقراره، بدورها، أصدرت "عشائر بني عباد" بيانًا آخر قالت فيه: العبابيد يردون على عصابة داعش، سنبقى كما كنا على يمين قيادتنا، لمن أراد بأردننا خيرًا حماة راحمين، وعلى من أراد به شرًا قساة ضاربين". واختلف الخبراء في تفسير فيديو التهديد الداعشي للأردن، حيث أعده بعضهم ردًا على تنفيذ المملكة أحكام إعدام بحق عدد من الإرهابيين، حيث تزامن صدور الفيديو مع إعلان الأردن عن إحالة 9 متهمين على خلفية أحداث الكرك إلى محكمة أمن الدولة، حيث كانت السلطات الأردنية قد اعتقلت ما يقارب 700 شخص مشتبه بأنهم ينتمون للتنظيم بعد أحداث الكرك، والمئات ممن تم تحويلهم إلى محكمة أمن الدولة بتهم الترويج لداعش. فيما رأى آخرون أنه محاولة بائسة من التنظيم لتسويق نفسه في الشارع الأردني، والإعلان عن نفسه مجددًا بعد فشله المتلاحق في سورياوالعراق، خاصة أن استهداف الإرهابيين للأردن ليس جديدًا، فقد ظهر جليًا في حادث معبر طريبيل الحدودي مع العراق الذي وقع في فبراير الماضي وأسفر عن مقتل ما يقرب من 15 جنديا عراقيا، أو في مدينة الكرك الذي وقع أواخر العام الماضي، وأدى إلى مقتل سبعة رجال أمن أردنيين، ومدنيين اثنين، إضافة إلى سائحة كندية، أو في حادث مكتب المخابرات الأردنية في مخيم البقعة، شمال غرب عمان، الذي وقع في يونيو الماضي، وأسفر عن مقتل خمسة أشخاص، وغيرها من الهجمات الإرهابية التي طالت الأردن منذ مشاركته كعضو رئيسي في التحالف ضد الإرهاب الذي يضم ستين دولة بزعامة الولاياتالمتحدةالأمريكية، الأمر الذي يجعل عمان على قائمة الدول المستهدفة من الجماعات الإرهابية. ورغم اختلاف الخبراء، إلا أنهم اتفقوا على أن هدف الفيديو ليس إعلام سلطات المملكة بقرب وقوع هجمات إرهابية على أراضيهم، إنما إحداث بلبلة من خلال اللعب على المرجعية الاجتماعية للبلد، حيث تعتبر العشائر جزءا أصيلا من المجتمع الأردني، وإظهار فيديو داعش لبعض أبناء أهم العشائر تهدد الدولة هو محاولة خبيثة من الجماعة الإرهابية لبث الفرقة والانقسام في المجتمع الأردني المتلاحم، فيما ذهب آخرون إلى القول أن تهديدات أبناء العشائر المنضمين إلى داعش، جاءت رغمًا عنهم، حيث تم تهديدهم وإجبارهم على توجيهها.