مع دخول الصراع الانتخابي الفرنسي أسابيعه الأخيرة، يحتدم النقاش حول المرشحين الذين تتصاعد فرص فوزهم ومن يتراجعون، في ظل تقلب المزاج الشعبي الفرنسي بشكل سريع، كما أن حوالى ثلث الناخبين لم يحسموا خيارهم حتى الآن، مع ظهور المزيد من الفضائح المالية وشبهات الفساد التي تدور حول بعض المرشحين، الأمر الذي يضفي على الأجواء الانتخابية المزيد من الإثارة وصعوبة التكهن. تقلبات المزاج الشعبي الفرنسي أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد إيلاب، نشر الجمعة الماضية، تساوي حظوظ المرشح المستقل، ايمانويل ماكرون، وزعيمة الجبهة الوطنية، مارين لوبان، في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية بنسبة أصوات 23,5%، وكشف أن المرشح اليميني، فرنسوا فيون، يليهما في المركز الثالث ب19%، ويأتي بعده اليساري الراديكالي، جان-لوك ميلانشون ب17%. وبحسب الاستطلاع، فإن ماكرون خسر في أسبوع 2% من نوايا التصويت، في حين خسرت لوبان نصف نقطة مئوية، بينما ربح فيون بالمقابل نقطة مئوية واحدة، وميلانشون نقطتين، وظل 7% ممن شملهم الاستطلاع، لم يحسموا اختيارهم بعد بشأن الدورة الأولى. استطلاع "إيلاب" أكد أن المرشح اليساري الراديكالي، جان لوك ميلانشون، حقق صعودًا قويًا وسريعًا في الأسابيع القليلة الماضية، مكنه من تقليص الفارق بين منافسيه، خاصة فيون؛ حيث ربح خلال الشهرين الماضيين 7 نقاط في السباق الانتخابي، كما وسع الفارق مع منافسه الاشتراكي، بنوا أمون، الذي حل في المركز الخامس والأخير ب9% فقط من نوايا التصويت، إلا أن التقدم الذي حققه ميلانشون، يبقيه خلال المنافسة على المركزين الأولين. وأرجع بعض المراقبين عودة ميلانشون، سريعًا، إلى قدرته الخطابية الكبيرة، ومشروعه الانتخابي الذي يلاقي قبولًا واسعًا من قبل المزارعين والعمال في فرنسا، ولم يستبعد بعض المراقبين وصوله إلى الجولة الثانية من الانتخابات. ووفقًا للاستطلاع ستكون الدورة الثانية بين المرشحين ماكرون ولوبان، موضحا أن المرشح الوسطي "ماكرون"، الذي تساوى مع منافسته "لوبان" في الدورة الأولى، سيحقق فوزًا سهلًا عليها في الدورة الثانية، بحصوله على 62% من الأصوات، مقابل 38% لها، لكن في هذا الشأن، ارتفع عدد الناخبين الذين لم يحسموا قرارهم، حيث أظهر الاستطلاع أن 21% ممن شملهم الاستطلاع لم يعلنوا عن وجهة تصويتهم في الدورة الثانية. استطلاع معهد إيلاب أظهر أيضًا أن المرشح اليميني، فرانسوا فيون، تراجع بشكل ملحوظ، مقابل تقدم مرشحة اليمين المتطرف، مارين لوبان، الأمر الذي يطرح فرضيتين، أولهما وصول ماكرون ولوبان إلى الجولة الثانية مثلما قال استطلاع الرأي، وفيها سيحصل الأول على التأييد الأوسع ويصل إلى الإليزيه، وهذه النتيجة قد تحدث إذا استمرت فضائح الفساد تلاحق المرشح فيون لتعرقل وصوله إلى الدورة الثانية وتعطي الفرصة لماكرون من أجل الصعود بدلًا منه. وتدور الفرضية الثانية حول وصول فيون ولوبان إلى الجولة الثانية، وفيها سيحصل الأول على 57% من الأصوات، مقابل 43% للوبان، وهذه الفرضية لم يستبعدها بعض الخبراء، خاصة في ظل تخوف الناخبين من سياسة ماكرون التي يرون فيها استنساخًا للحزب الاشتراكي الذي يفقد شعبيته يومًا بعد الآخر، وزادت هذه التخوفات في الفترة الأخيرة بسبب إعلان رئيس الوزراء السابق، الاشتراكي مانويل فالس، عن دعمه للمرشح المستقل، إمانويل ماكرون، وما سبقه من إعلان عمدة باريس السابق، الاشتراكي جان ايف لي دريان، عن دعمه لماكرون أيضًا، الأمر الذي جعل بعض الناخبين يرون في الأخير "فرانسوا هولاند مٌقنع". لوبان تشعل الجدل مجددًا بعيدًا عن استطلاعات الرأي وفرص الفوز والخسارة، جاءت المرشحة اليمينية المتطرفة، مارين لوبان، لتشعل الانتقادات والجدل من جديد؛ بعدما تحول لقاء انتخابي لها أمس السبت، إلى ساحة معركة بمدينة أجاكسيو في جزيرة كورسيكا الفرنسية، حيث اندلعت مواجهات بين أنصار لوبان ومعارضيها، وبدأت المواجهات بين حراس المرشحة المتطرفة ومجموعة من الشباب الذين دخلوا إلى قاعة اللقاء الانتخابي للإعراب عن معارضتهم لسياسة لوبان، وحينها عمد الحراس إلى محاولة طرد الناشطين الكورسكيين، ما أدى إلى وقوع صدامات وكر وفر في إحدى قاعات قصر المؤتمرات في مدينة أجاكسيو، وسرعان ما امتدت المواجهات إلى الشارع، حيث اشتبك عشرات الناشطين مع بعض المشاركين في اللقاء الانتخابي فور خروجهم من قصر المؤتمرات. وتأتي المعركة الانتخابية التي أشعلتها لوبان، بعد تصريحات لها أثارت الجدل في فرنسا حول صلاة المسلمين في الشوارع، حيث قالت المرشحة اليمينية المتطرفة: سوف أفرض سياسة قاسية وصارمة على البلاد بعد أن أتولى منصب رئيس الجمهورية الفرنسية، فتلك القوانين هي التي من شأنها أن تحفظ السلم العام والقواعد والعادات الفرنسية، مؤكدة أن "صلاة الشوارع لن تتكرر من اللحظة الأولى لولايتي"، حيث نددت بصلاة المسلمين فى الشوارع، خاصة يوم الجمعة من كل أسبوع، أو المناسبات التي تحمل طابع ديني، وتعهدت بأنها حال فوزها سوف تصدر قانون يحظر تلك الممارسات، وأن عقاب المخالفين سيكون شديدا للغاية، لأن قواعد الجمهورية ليس ملكا لفئة دون أخرى، وكذلك لا يحق لأحد فرض معتقداته على الجميع. توجس وتعبئة عامة رغم أن الاستطلاعات جميعها أظهرت فوز لوبان في الدورة الأولى من الانتخابات الفرنسية، إلا أن الأسابيع المقبلة قد تحمل مفاجآت للمرشحة اليمينية المتطرفة التي تتوعد المسلمين في فرنسا وتتبني "ترتيب البيت الفرنسي من جديد" والانفصال عن الاتحاد الأوروبي، حيث يستعد الفرنسيون المتوجسون من فوز لوبان لإطلاق حملة تعبئة عامة للتصدي لتقدمها المتصاعد في السباق الانتخابي، حيث يصف مدير أسبوعية "لوبسرفاتور" الفرنسية، ماتيو كرواساندو فوز لوبان ب"الخطر الملموس". وفي الوقت نفسه، يُعد المجتمع الثقافي الفرنسي لحملة مكثفة للتصدي للوبان، حيث كتب حوالي 100 فنان، بينهم الممثلتان، جان مورو، وليا سيدو "الجبهة الوطنية على أبواب السلطة، لذلك ندعو إلى التصدي لمارين لوبان باسم حرية الفكر والإبداع"، فيما كتب الناشط اليساري، غي بيدوس، في كتابه الأخير "تحسبًا، سأستعد للرحيل إلى كيبيك"، أما الفرنسي الموريسي الحائز على نوبل الآداب في عام 2015، جان ماري غوستاف لوكليزيو، فقد أعلن أنه سيتخلى عن جوازه الفرنسي إن فازت لوبان بالرئاسة، وأعلن السفير الفرنسي في اليابان، تييري دانا، أنه سيتحفظ عن أي مهمة دبلوماسية ضمن هذا الاحتمال، رافضًا خدمة دولة تحمل لواء الجبهة الوطنية، وفق قوله، فيما قال رئيس الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان، ديمتريس خريستوبولوس "رئاسة لوبان ستنطوي على هزيمة سياسية لحقوق الإنسان، لكننا سنواصل النضال"، وأضاف "هذه المعركة الإيديولوجية ستصبح أولوية وجودية لمجتمعاتنا".