ليس مفاجئًا أن تبحث الإدارة الأمريكية عن مصالحها بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى، ويبدو أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بدأ في تطبيق سياسيته التي سبق أن أعلن عنها، وهي سياسة "أمريكا أولًا"، حيث ضرب بكافة النداءات الحقوقية والإحصائيات التي تفيد بارتكاب السلطات البحرينية انتهاكات عدة في مجال حقوق الإنسان عرض الحائط، من أجل تمرير صفقة أسلحة جديدة إلى تلك الدولة التي تملك ملفًا سيئ الصيت في مجال حقوق الإنسان. قالت صحيفة "واشنطن بوست" إن وزارة الخارجية الأمريكية أبلغت الكونجرس، الأربعاء الماضي، بأنها توافق وتدعم بيع طائرات مقاتلات من طراز "إف -16" من شركة "لوكهيد مارتن" إلى البحرين مقابل ما يقرب من 4.867 مليار دولار، دون اشتراط أن تقوم المملكة بتحسين سجلها فى مجال حقوق الإنسان، وتشمل الصفقة أيضًا إلى جانب المقاتلات 23 محركًا وأجهزة رادار وأنظمة إلكترونية أخرى وأسلحة "جو- جو" و"جو- أرض" ومعدات متصلة بها. قرار "المضي قدمًا في البيع" هو بمثابة انقلاب مفاجئ على قرار إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، الذي صدر في سبتمبر الماضي، حيث أبلغت وزارة الخارجية الكونجرس آنذاك بأنها ستوافق على بيع 19 طائرة "إف 16" ومعدات أخرى للبحرين، بشرط تحسين الأخيرة سجلها في حقوق الإنسان ووقف الانتهاكات التي ترتكب ضد المعارضة البحرينية التي تنتقد سياسة الحكم الحالي. على الجانب الآخر ربط العديد من المراقبين بين تصريحات قائد القوات الأمريكية فى الشرق الأوسط، الجنرال "جوزيف فوتيل"، التي جاءت في نفس اليوم الذي أخطرت فيه وزارة الخارجية الأمريكية الكونجرس بموافقتها على بيع الأسلحة إلى البحرين، والتخوف الأمريكي المتصاعد من نفوذ إيران في المنطقة، والذي عبر "ترامب" عن انزعاجه منه مرارًا، حيث قال "جوزيف فوتيل" إن إيران تشكل تهديدًا للمصالح الأمريكية والاستقرار الإقليمى، وذكر أن البحرين مثال لحليف له تعاون عسكرى قوى مع الولاياتالمتحدة، ولفت إلى أن "المخاوف من انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين أبطأت مبيعات "إف – 16" واستمرت في توتر العلاقات"، الأمر الذي دفع إلى القول بأن هذا القرار الأمريكي يعكس تصميم إدارة دونالد ترامب على تركيزها على مواجهة نفوذ إيران المتصاعد في المنطقة. مما لا شك فيه أن البحرين تتمتع بمكانة كبيرة لدى أمريكا، فالمنامة تعتبر من أكثر الدول المحافظة على الأمن القومي الأمريكي، حيث تضم مقر الأسطول الخامس التابع للبحرية الأمريكية، كما أنها تعتبر المنفذ الأول لواشنطن على الخليج العربي، فهي المسؤولة عن إبقاء ممرات الشحن مفتوحة في الممرات المائية التي تعبرها ناقلات النفط من الخليج العربي. انتفضت المنظمات الحقوقية والدولية لقرار "ترامب"، فحثت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الكونجرس على الإصرار على تحسين حقوق الإنسان كشرط مسبق لبيع الأسلحة للبحرين، وقال مدير برنامج المدافعين عن حقوق الإنسان في المنظمة، براين دولي، إن فصل عملية البيع عن هذه الشروط سيشجع على المزيد من القمع، ويغذي انعدام الاستقرار في فترة حرجة للبحرين، وأضاف دولي أن "المبيعات سترسل تمامًا الإشارة الخاطئة إلى النظام المستبد، وهي أن البيت الأبيض يعتقد أن حملة القمع السياسي ليست فقط مقبولة، بل هي غير خطيرة أيضًا، في حين أنها تغذي انعدام الاستقرار في البلاد". من جانبها دعت منظمة العفو الدولية الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى عدم الموافقة على إمضاء صفقات أسلحة مُعلقة إلى السعودية والبحرين، محذرة من أن مثل هذه المبيعات يمكن أن تورّط واشنطن في جرائم حرب، وأكدت المنظمة أن مبيعات الأسلحة لن تؤدي إلا إلى تسليح التحالف الذي تقوده السعودية، والذي هاجم آلاف المدنيين في اليمن، في انتهاك للقانون الدولي، وأضافت المنظمة أن هناك خطرًا كبيرًا من أن تستخدم السعودية والبحرين وغيرهما من أعضاء التحالف أسلحة أمريكية جديدة لزيادة تدمير حياة المدنيين في اليمن، وأكدت أن هذا يمكن أن يتسبب في توريط إدارة "ترامب" في جرائم حرب أو انتهاكات للقانون الإنساني الدولي، وقالت المديرة التنفيذية لمنظمة العفو الدولية، مارغريت هوانغ، "إذا تمت الموافقة على هذه الصفقة، فهذا يعني أن الرئيس ترامب يلقي البنزين على النار في المنزل، ويغلق الباب في طريقه إلى الخروج". وعلى الرغم من النداءات الحقوقية التي تم توجيهها إلى الكونجرس، إلا أن العديد من المراقبين لا يعولون على أن يعرقل الكونجرس الصفقة الأمريكية إلى البحرين، فعلى الرغم من قدرته على وقفها، إلا أن دعم الأغلبية الجمهورية القوي للصفقة الأمريكية للبحرين ربما يقف حائلًا أمام عرقلة الصفقة، كما أن الضغوطات التي تمارسها شركة "لوكهيد" المسؤولة عن توريد دفعه الأسلحة قد تكون العامل المساعد على تمريرها، وهو ما اتضح في قول رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، السناتور بوب كوركر، إن هناك طرقًا أفضل لحث البحرين على معاملة مواطنيها بكرامة من وضع شروط مسبقة لمبيعات الأسلحة، وأضاف أن هذا النوع من الشروط سيكون غير مسبوق، وسيؤدي إلى نتائج عكسية في الحفاظ على التعاون الأمني، وفي النهاية معالجة قضايا حقوق الإنسان، وتابع السناتور الأمريكي: هناك طرق أكثر فعالية للبحث عن تغييرات في سياسات الشركاء بدلًا من تعديل عمليات نقل الأسلحة على هذا النحو.