توجه رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني، بنيامين نتنياهو، إلى الصين، يوم الأحد الماضي، في زيارة تستغرق 3 أيام، مصطحبا وفدا من 90 من رجال الأعمال الإسرائيليين، وهو أكبر وفد تجاري صهيوني يزور الصين حسب الاعلام الصيني الرسمي، وذلك بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة والعشرين لبدء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. واجتمع نتنياهو، أمس الاثنين، بنظيره الصيني لي كيشيانغ في العاصمة بكين، ودعا إلى بذل مزيد من الجهد لتعزيز الاستقرار الدولي، وقال نتنياهو لمضيفه إن "هناك الكثير من الاضطراب في العالم" مؤكدا ضرورة سعي البلدين لتعزيز "الأمن والسلم والاستقرار والرفاهية"، ومن المقرر أن يلتقي نتنياهو بالرئيس الصيني شي جينبينغ، اليوم الثلاثاء. واجتمع رجال الأعمال الإسرائيليون بمسؤولين في كبريات الشركات الصينية ومنها بايدو وعلي بابا، حسبما جاء في تصريح أصدره مكتب رئيس الحكومة الصهيونية. دوافع الزيارة بعد فشل الضربة الجوية لسوريا، يبدو أن الكيان الصهيوني يحاول إخفاء عجزه عن خوض حرب غير مضمونة النتائج مع سوريا بتعزيز علاقاته الدولية، خاصة بعد تحويل ميزان القوى في سوريا والعراق لمصلحة الدولتين وحلفائهما، وهنا تحاول تل أبيب أن ترفع من وتيرة مساعيها لإعادة خلط الأوراق إقليميًا ودوليًا، في محاولة لإيجاد معادلة ما توجهها لصالحها تحت مظلة الدول المتنفذة في العالم. في هذا الإطار، لا يمكن فصل تحركات نتنياهو الأخيرة عن سياق زيارته للصين، خاصة بعد اللقاءات التي قام بها في عدد من عواصم صناعة القرار في العالم، من واشنطن إلى موسكو فلندن ثم إلى العاصمة الأسترالية كانبرا، وأخيرا بكين، ليبقى الهدف واحدا تقريبًا، وهو التحريض على محور المقاومة وعلى رأسه طهران. لقاء نتنياهو ترامب في واشنطن وضع الأسس لمنظومة إقليمية تضم إسرائيل ودول عربية لمواجهة إيران، وفي روسيا كان الشغل الشاغل لنتنياهو التصدي لإيران في سوريا، وحجز مكان لإسرائيل على طاولة التسوية المستقبلية بشأن الملف السوري، وأشارت التقديرات إلى أن النتائج لم تأتِ على حجم التوقعات، الأمر الذي لم يهدئ من روع نتنياهو، فتصريحاته في موسكو تشي بذلك حيث قال إن "هناك محاولات إيرانية لتأسيس حضور عسكري بري وبحري دائم في سوريا، وأيضًا محاولة تدريجية لفتح جبهة مقابل إسرائيل في الجولان، سأعرب للرئيس بوتين عن معارضة إسرائيل الصارمة والحازمة لهذه الإمكانية". ويبدو أن الوجه البارد الذي قابل به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نتنياهو، بتشديد روسيا على تمسكها بعلاقتها القوية مع طهران، دفع نتنياهو لاستراتيجية جديدة فيما يخص علاقات تل أبيب الخارجية، حيث ذهب بعيدًا نحو الصين هذه المرة في زيارة رسمية إلى بكين وصفت بالمهمة. الأهداف بحسب مراقبين صهاينة، فإن الزيارة لها هدفان، الأول رمزي وهو إحياء ذكرى مرور 25 عامًا على العلاقات الدبلوماسية بين تل أبيب وبكين، والثاني أكثر حسمًا وهو هدف اقتصادي. وفيما يكثر الحديث عن تقارب خليجي إسرائيلي من خلف الستار، أعلنت الخارجية الإسرائيلية، الشهر الماضي، عن خطة لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع دول أمريكا اللاتينية، فيما لم يخف نتنياهو هدفه بمواجهة إيران وكسب تأييد مزيدٍ من الدول لإسرائيل، خلال جولة متوقعة خلال الأشهر المقبلة في دول غرب إفريقيا. ويعيش نتنياهو أزمة خيبته الإيرانية في مرحلة الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، التي تمثلت بتراجع الدور الأمريكي في العديد من ملفات المنطقة الحساسة، وتوجت خيباته بالموافقة الأمريكية على الاتفاق النووي الإيراني، وحاليًا يضع نتنياهو رهاناته على إدارة ترامب الجديدة لمحاولة الانتقام من سقوط خياراته الإيرانية بالمرحلة الماضية. التوقعات بالنسبة لزيارة نتنياهو للصين وبقدر من الواقعية السياسية، سنجد أن كم المصالح الاقتصادية التي تربط بين الصينوطهران، قد يوازن ويتفوق حتى على المصالح الاقتصادية التي يمكن أن تكون لإسرائيل مع الصين، فنهاية العام الماضي أعلن عضو غرفة التجارة والصناعة والمناجم والزراعة في طهران بهروز علي شيري، أن حجم التبادل التجاري بين إيرانوالصين بدأ بثلاثة مليارات دولار سنويا، ووصل إلى 40 مليار دولار سنويا، في المقابل نجد أن حجم التبادل التجاري بين بكين وتل أبيب، بلغ مطلع العام الجاري 11 مليار دولار. لا يملك نتنياهو إذًا الكثير من أوراق الضغط على بكين، فعلى الرغم من أن نتنياهو يحاول أن يقوم بحملة علاقات عامة على المستوى الخارجي لكسب مواقف ضد إيران، فإن مساعيه حاليًا ترتكز على خطاب غوغائي شعبوي تحريضي يحاول من خلاله استحضار التاريخ بمصطلحات غير مقنعة، وهو الأمر الذي دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للقول له، على الهواء مباشرة، إن هذا النوع من الخطاب لم يعد يصلح في ظل حالة التغيير التي عاشها العالم. وبغض النظر عن خطاب نتنياهو الشعبوي، فإن محاولته لاستقطاب بكينوموسكو لمواقفه المعادية لإيران ستكون أشبه بالمهمة المستحيلة، فالصينوروسيا يعلمان تمام العلم أن تل أبيب حليف موثوق لواشنطن التي لا تخفي عداءها لكلٍ من بكينوموسكو، وتعتبرهما الخطر الاستراتيجي الأكبر على أمنها القومي، وبالتالي لا يمكن لبكينوموسكو أن تخسرا علاقاتهما مع طهران التي تشاطرهما الندية للهيمنة الأمريكية على العالم، وتقوية علاقاتهما بتل أبيب حليفة عدوتهما، فالولايات المتحدة لا تساند الصين في مشاكل بحر الصين الجنوبي، وواشنطن تمارس ضغوطا على روسيا عبر انتشار الناتو في أوروبا الشرقية. ويرى مراقبون أن البعد السياسي حول الملف السوري قد يكون مغلقًا من الجانب الصيني بوجه زيارة نتنياهو لبكين، خاصة أن الصين استخدمت الفيتو 4 مرات في وجه قرارات كان من شأنها النيل من الحكومة السورية والجيش السوري، ومواقف الصين متسقة إلى حد كبير مع موسكو، ولكن في المقابل يمكن الإبقاء على الشق التجاري في علاقة تل أبيب ببكين، خاصة المتعلقة بتكنولوجيا ال"الهاي تك" التي تتفوق فيها تل أبيب عالميا، وهناك تعاون كبير بين تل أبيب والصين والهند في هذا المجال.