بمزيج يجمع ما بين الخسة والوحشية والانتهازية، اختارت عناصر تنظيم داعش في سيناء فتح جبهة جديدة في صراعها الدموي مع نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، بقتل 7 مسيحيين في العريش خلال الشهر الحالي، 6 منهم خلال الأسبوع الماضي فقط، أحدهم قتل حرقًا، والتي أعقبها فرار أو تهجير قسري لأكثر من 40 أسرة مسيحية من العريش إلى الإسماعيلية، بما يوحي إلى أن التنظيم المتطرف سوف يتجه خلال الفترة القادمة لتغيير تكتيكاته السابقة التي كانت تكتفي فقط بالمواجهة مع الجيش، والعودة إلى مرجعياته النظرية الفاسدة ب«شن الحرب على الصليبيين»، باعتبارهم «الحلقة الأضعف» في بنية المجتع المصري بأزماته المتفاقة التي يعاني منها حاليًا على مختلف المستويات. قد يضع هذا التكتيك الداعشي الجديد أكثر من شوكة في خاصرة النظام، قد يظهره وكأنه غير قادر على حماية مواطنيه، وقد يثير ضده حكومات ومنظمات غربية، وقد يشعل غضب قطاعات واسعة من أقباط المهجر لتمارس ضغوطًا على حكوماتها لإدانة مصر ونظام السيسي، لكن التنظيم الذي أعتقد أنه يدرك ذلك سوف يفشل بالتأكيد في مواصلة حربه غير المقدسة على إخواننا المسيحيين، ليس فقط لأنه لا يمكن أي قدرات عسكرية تمكنه من تحقيق هذه الأهداف، ولكن لأن تركيبة التيار الرئيسي في مصر، بمسلميه وأقباطه، يدركون أن ما يجمعهم أكثر وأكبر مما يفرقهم، وأن المزاج العام الذي يربطهم سويًّا يرفض العنف والتطرف، تحت أى مسمى كان . ما قد يساعد التنظيم فعلًا في تحقيق أهدافه، هو استمرار السياسات الخاطئة التي تنتهجها السلطة في مصر، فملايين المصريين يدركون أن الفاشية الدينية التي يؤمن بها التنظيم، لا تختلف كثيرًا عن الفاشية العسكرية التي تسير السلطة في مصر بخطى متسارعة نحوها، بغلقها المجال العام، ومصادرة حق التظاهر بقوانين غير دستورية، والتوسع في الاعتقالات، وهيمنة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية، وقمع منظمات المجتمع المدني، ومحاولاتها الدؤوبة للسيطرة على الصحف ووسائل الإعلام المختلفة، وسيادة الصوت الواحد واستبعاد أي صوت معارض، باعتباره خائنًا وعميلًا ويحاول شق الصف الوطني، مع اتباع سياسات اقتصادية أفقرت غالبية الشعب المصري، أو كادت! قد تستفيد السلطة في مصر من «بعبع» داعش، بحشد قطاعات واسعة من المسيحيين والعلمانيين، بل وحتى قطاعات من اليساريين بالتحديد من حزب التجمع لتأييدها في حربها ضد التطرف والإرهاب، ولاتخاذها إجراءات استثنائية لتقييد الحريات وانتهاك حقوق الإنسان، إلَّا أن هذه السلطة لن تستطيع الاستمرار في هذه الطريق إلى ما لا نهاية، فالتساؤلات عن طبيعة الحرب على الإرهاب في سيناء باتت تفرض نفسها على الرأي العام بعد مضي كل هذه السنوات، دون أن تحقق أهدافها بالقضاء على داعش، كما وعدنا الرئيس عبد الفتاح السيسي أكثر من مرة خلال العامين الماضيين ! السلطة في مصر توفر لداعش، بدون أن تريد ذلك، المناخ الذي يقتات منه أفكاره الدموية، في حين يوفر لها داعش بنية مبيتة كل المبررات التي تدفعها لاتباع سياسات غير ديمقراطية، ليسيرا معا في دائرة مفرغة، لا أحد من الطرفين يعرف كيف ومتى تتوقف طاحونتها عن الدوران، رغم أنهما سويًّا يدفعان فاتورة باهظة التكاليف في هذا الصراع الدموي، الذي لا تبدو في الأفق نهاية قريبة له، بل ربما تشتد وتيرته إذا ما نجح شياطين داعش في نقل مسرح عملياته الإرهابية من سيناء إلى القاهرة وغيرها من محافظات الوادي. خبرة السنوات الماضية أكدت بوضوح أن الحل العسكري وحده لن يحسم الصراع مع داعش، هناك جبهات فكرية وثقافية وفقهية تتجاهلها الدولة عن عمد ومع سابق الإصرار والترصد في هذا الصراع؛ لأن فتح هذه الجبهات يتطلب بناء نظام ديمقراطي تعددي حقيقي في مصر، يفتح المجال لكل الآراء، السلطة لا تحتمله؛ لأنه قد يحمل تغييرات جذرية في طبيعتها وتوجهاتها وأشخاصها، لا تريدها بأي شكل من الأشكال، وهو وضع يجعل مستقبل البلد كله على كف عفريت ! قتل المسيحيين في سيناء بالحرق أو بالرصاص ليس مجرد «زوبعة في فنجان» كما تريد أصوات في إعلام السلطة تصوير الأمر، بل هو نقطة فاصلة ينبغي أن نوليها ما تستحقه من اهتمام قبل فوات الأوان وقبل أن تحترق مصر كلها، وهي مهمة القوى الديمقراطية والشعبية في مصر أولًا وأخيرًا !