حراك واسع تشهده دول الجوار الليبي لحلحلة الأزمة الليبية القائمة منذ سنوات طويلة، فبعد انعقاد مؤتمر القاهرة لدول الجوار، واستضافة طرفي الصراع المتمثلين في قائد الجيش الليبي خليفة حفتر، ورئيس حكومة الوفاق فائز السراج، عقدت توتس اجتماعا ثلاثيا جمع وزراء خارجية تونس ومصر والجزائر، في محاولة أخرى لدفع الأطراف إلى الوصول لوقف القتال، لا سيما بعدما أكد السراج فشل المحاولات السابقة لتخفيف الخلافات مع منافسيه. وكانت الدعوة التونسية تهدف لعقد مباحثات ثلاثية بين مصر وتونس والجزائر في مارس المقبل إلا أن التطوارت الأخيرة التي شهدها الميدان الليبي، خاصة في طرابلس، دفع للتعجيل بموعد الاجتماع الوزاري في تونس لبحث الملف الليبي، حيث وصف الكثيرون بروز تطورات ميدانية في العاصمة الليبية ب"الخطيرة"، تستهدف "إفشال" أي تحرك عربي جدي لجمع الفرقاء الليبيين إلى طاولة الحوار. وتأتي هذه المباحثات في إطار مبادرة أعد لها الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، تهدف إلى التعجيل بإيجاد تسوية سياسية شاملة للوضع في ليبيا، وتقوم على الاتفاق بين زعماء دول مصر وتونس والجزائر على وضع حد للصراع الدائر في ليبيا. وحضر الاجتماع الوزاري الثلاثي بتونس وزراء خارجية تونس خميس الجهيناوي، ووزير الخارجية المصري سامح شكري، ووزير الشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية الجزائري، عبدالقادر مساهل، وبحسب مصادر تونسية لصحيفة العرب اللندنية فإن تقديم الاجتماع الذي كان من المزمع عقده مطلع مارس المقبل، مرتبط بتطور مفاجئ وظهور عدد من أمراء الحرب الذين يقودون ميليشيات مسلحة عرفت بسطوتها وبأعمالها الإجرامية التي حركت جزءا من آلياتها الحربية داخل العاصمة طرابلس. وظهرت شخصيات متشددة في الأيام الأخيرة بطرابلس عززت من المخاوف الإقليمية بإعادة الصراع والقتال الذي هدأ نسبيًا في الآونة الأخيرة بين الشرق والغرب الليبي، حيث أثار ظهور هاشم بشر، رئيس اللجنة الأمنية لميليشا فجر ليبيا سابقا، قلقا كبيرا لدى المتابعين، لا سيما وأنه يعد واحدا من أبرز أمراء الحرب الذين يدعمون حاليا ميليشيا "كتائب طرابلس" . بالإضافة إلى ذلك، جاء تحرك دول الجوار سريعًا في إطار عدم التصعيد داخل طرابلس بين الميلشيات نفسها، حيث أعلنت حكومة الإنقاذ في ليبيا التابعة للمؤتمر الوطني الليبي المنتهي ولايته بقيادة خليفة الغويل، في وقت سابق من شهر فبراير عن تأسيس قوة مسلحة تحمل اسم "الحرس الوطني"، وجاء الإعلان بعد ساعات من انتهاء اشتباكات مسلحة بالعاصمة طرابلس بين كتائب موالية لحكومة الوفاق الوطني وأخرى تتبع ل "الإنقاذ". وبحسب مراقبين، فإن المخاوف تزايدت مع تشكيل القوة الجديدة لحكومة الإنقاذ، التي تشير إلى أن ميزان القوى في طرابلس أصبح شبه متوازن، بعدما كانت الكفة في صالح "الوفاق" التي أعلنت في مايو 2016، وبعد شهرين من دخولها العاصمة، عن تشكيل قوة من الجيش والشرطة باسم "جهاز الحرس الرئاسي"، وأوكلت "الوفاق" لتلك القوة مهام تأمين المقرات الرئاسية والحيوية في الدولة بما فيها منافذ الدخول البرية والبحرية والجوية، بالإضافة إلى حراسة أعضاء المجلس الرئاسي وكبار زوار الدولة، لكن سرعان ما انهارت هذه القوة وأصبحت هشة بعد انقلاب الغويل عليها. وفيما خرجت نتائج الاجتماعات الليبية الليبية، التي عقدت بالقاهرة مؤخرًا بخارطة طريق من 4 نقاط لمعالجة المأزق الليبي الراهن، يرى مراقبون أن تلك التحركات العربية هي استكمالا لهذا الاختراق، لا سيما بعد فشل اللقاء بين فايز السراج، وخليفة حفتر، الذي تم التحضير له في القاهرة قبل أسابيع، حتى إن البعض اعتبر ما يجري في طرابلس ردا مباشرا على ذلك الفشل. وثمة معلومات خرجت من الأوساط السياسية في ليبيا تؤكد أن التحركات الميدانية التي نفذتها حكومة الإنقاذ التي لها علاقة مباشرة ببعض المسؤولين المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين، تستهدف بالأساس إضعاف فايز السراج، وإبعاده عن المعادلة السياسية الجديدة وقطع الطريق على أي تقارب مع مصر، لكن القاهرة التي تحركت مؤخرًا كثيرًا في هذا الملف وترمي بكل ثقلها لإيجاد تسوية للملف الليبي استشعرت الخطر القادم، الأمر الذي أدى إلى تقديم موعد الاجتماع الوزاري الثلاثي الذي كان محددا في الأول من مارس المُقبل، وذلك في خطوة استباقية لمحاصرة تلك التحركات، وبحث الاتصالات التي أجرتها الدول الثلاث مع مختلف الأطراف الليبية، وهو ما أكده وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي، مؤكدًا أن هدف هذا الاجتماع بلورة تصور لتسوية سياسية شاملة للأزمة الليبية على قاعدة المبادرة التي أطلقها الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي.