يبدو أن العلاقات السعودية اللبنانية قد تدخل خلال الفترة المقبلة مرحلة جديدة أكثر انفتاحًا وتقاربًا بين الطرفين، وتشير المعطيات إلى أن الطرفين يبحثان عن دعم سياسي لكل منهما، إضافة إلى مصالح قد تكون نقطة التلاقي الأولى بينهما. ذكر بيان صادر عن مكتب الرئيس اللبناني، ميشال عون، أن السعودية ستعين سفيرًا جديدًا لها في لبنان، وستشجع عودة السياح السعوديين وزيادة رحلات الطيران السعودي إلى لبنان، وأضاف أن وزير الدولة لشؤون الخليج العربي، ثامر السبهان، الذي يزور لبنان، أبلغ الرئيس عون بهذه المتغيرات خلال لقائهما، الاثنين الماضي. وتأتي هذه المستجدات بعد أسابيع قليلة من زيارة الرئيس اللبناني، ميشال عون، إلى السعودية، التي قيل إن هدفها تحسين العلاقات مع الرياض، حيث قال الرئيس اللبناني ميشال عون إن علاقات بلاده مع السعودية تتحسن بعد توترات مرتبطة بالتنافس الإقليمي بين السعودية وإيران، وردًا على سؤال ما إذا كانت الزيارة قد فتحت صفحة جديدة في العلاقات مع السعودية، أوضح: نعم، عندما تنجلي هذه المرحلة العابرة، سنتأكد أنه لم تكن لها جذور لدى الشعب اللبناني، وأضاف: من البديهي أن تكون العلاقات طبيعية بصرف النظر عن أي تباينات يمكن أن تنشأ ومن أي تباينات ظهرت سابقًا في النظرة إلى الملف السوري. تدهور العلاقات منذ تصاعد الأزمة بين السعودية وإيران، بسبب حرب الأولى على اليمن، ودعم الأخيرة لجماعه أنصار الله هناك، ودعمها للنظام السوري بقيادة بشار الأسد، الذي تحاول المملكة إسقاط نظامه منذ ست سنوات، دخلت لبنان على خط الأزمة بين الطرفين، على اعتبار أن حزب الله اللبناني ذات قوة سياسية على الساحة العربية ومدعوم من إيران في جميع التحركات السياسية. وبعد إعدام السلطات السعودية للشيخ نمر باقر النمر، مطلع العام الماضي، تدهورت العلاقات السعودية الإيرانية بشكل دفع الطرفين إلى إطلاق التهديدات والتصريحات المسيئة للطرف الآخر، وهاجم حينها متظاهرون إيرانيون السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد، ومنذ وقتها، أخذت الرياض على عاتقها شن حملة ضد إيران حاولت فيها جذب كل الأصوات العربية لاعتبار حزب الله إرهابيًا وإدانة موقف إيران، لكن الحكومة اللبنانية رفضت الانضمام إلى حكومات عربية أخرى في إدانة إيران واعتبار حزب الله إرهابيًا، الأمر الذي دفع المملكة إلى محاولة معاقبة بيروت على موقفها. في 19 فبراير الماضي، أعلنت المملكة العربية السعودية عن وقف الهبة المالية التي كانت عرضتها لتسليح الجيش وقوى الأمن اللبنانية، والبالغة قيمتها 4 مليارات دولار، بسبب ما اسمته "مواقف حزب الله السياسية"، حيث أكد وزير الإعلام والثقافة السعودي، عادل الطريفي، حينها أن بلاده أوقفت المساعدة المالية، وأضاف: "المملكة العربية السعودية تقابل بمواقف لبنانية مناهضة لها على المنابر العربية والإقليمية والدولية، في ظل مصادرة ما يسمى حزب الله اللبناني لإرادة الدولة، كما حصل في مجلس جامعة الدول العربية وفي منظمة التعاون الإسلامي من عدم إدانة الاعتداءات السافرة على سفارة المملكة في طهران والقنصلية العامة في مشهد التي تتنافى مع القوانين الدولية والأعراف الدبلوماسية"، وفي نفس الوقت حذرت المملكة مواطنيها من السفر إلى لبنان، ما حرم البلاد من عائد سياحي كبير. مصالح سياسية لا شك أن الرئيس اللبناني الجديد المُطالب من قبل شعبه بإصلاحات سياسية واقتصادية سريعة بعد فراغ رئاسي استمر عاما ونصف العام تقريبًا، يحتاج كثيرًا إلى السعودية التي شهدت بلاده خلافات معها خلال الفترة الأخيرة قبل توليه منصب الرئيس، حيث ألقت هذه الخلافات بظلالها على الاقتصاد اللبناني، بسبب وقف رحلات الطيران وحظر السفر الذي فرضته المملكة على رعاياها من السعودية، إضافة إلى تأثر بيروت بوقف الهبة المالية التي كانت تقدمها المملكة لدعم الجيش وقوى الأمن اللبنانية. وارتبط مصير نحو 750 ألف مواطن لبناني بطبيعة العلاقات بين بلادهم والمملكة، حيث يقيمون ويعملون في السعودية ودول خليجية أخرى، ويحولون ما بين سبعة وثمانية مليارات دولار سنويًا لإعالة أسرهم في لبنان، فقد أظهرت الأرقام والإحصائيات أن الأزمة السعودية اللبنانية أدت إلى انسحاب كثير من الاستثمارات الخليجية من السوق اللبنانية، كما قلص المستثمرون السعوديون والخليجيون بشكل عام، استثماراتهم في لبنان، إضافة إلى انخفاض تحويلات المغتربين اللبنانيين من كل أنحاء العالم من عشرة مليارات دولار سنويًا إلى 2.5 مليار دولار، الأمر الذي دفع العماد ميشال عون إلى كسر الأعراف الدبلوماسية التي اتبعها أسلافه من الرؤساء بأن تكون الزيارة الأولى لهم إلى فرنسا، واختار التوجه إلى الدول الخيجية فكانت السعودية محطته الأولى ثم انتقل إلى قطر، في محاولة لكسب ودهم. الخطوات المتسارعة نحو تعزيز العلاقات السعودية اللبنانية مع الرئيس الجديد، دفعت العديد من المراقبين إلى طرح بعض التساؤلات حول ما إذا كانت السعودية ستتمكن من التعاون مع لبنان وجذبها إلى صفوف الدول المؤيدة لسياساتها على حساب إيرانوسوريا؟ لكن هذه الفرضية استبعدها العديد من السياسيين، فالعلاقات بين الرئيس اللبناني الجديد وحزب الله أصبحت مبنية على مصالح سياسية لا يمكن أن تناقض، بل يدرك عون جيدًا أن حزب الله وإيران كانا الداعمان الرئيسيان له خلال الانتخابات الرئاسية. السعودية قد تحاول اللعب على ورقة علاقات لبنان مع إيران وحزب الله، وهو ما ظهر خلال محادثات عون مع سلمان، أثناء زيارة الأول المملكة، حيث اتهم الثاني إيران بلعب دور سلبي في أزمات المنطقة، بدءًا من سوريا، مرورًا بالعراق، وانتهاء باليمن، وعدد من بلدان المنطقة، وهي التصريحات التي أثارت استغراب الرئيس اللبناني، بحسب مصادر وزارية شاركت في اللقاء، ليقترح تحويل القمة إلى ثنائية، الأمر الذي وافق عليه الملك السعودي، فغادر المشاركون من الجانبين القاعة، فتوجه أعضاء الوفد اللبناني المرافق إلى السيارات انتظارًا لانتهاء القمة، ليلحق بهم عون سريعًا دون عقد قمة ثنائية. ويرى مراقبون أن زيارة رئيس الجمهورية اللبنانية إلى السعودية كانت مثمرة وناجحة، حيث استطاع عون من خلالها إعادة التواصل وإصلاح العلاقات التي كانت مقطوعة بين لبنان والسعودية خاصة ودول الخليج بشكل عام، وفي الوقت ذاته، قدم عون نفسه إلى المملكة برؤية حيادية؛ حيث حاول الوقوف على مسافة واحدة من جميع الدول العربية، فيما ذهب بعض المراقبين إلى القول إن تحسن العلاقات اللبنانية السعودية قد يجعل بيروت نقطة تلاقي للرؤى السعودية الإيرانية.