لا يزال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يسعى لتحقيق حلمه القديم بتطبيق نظام الرجل الواحد، وإحكام قبضته على الدولة التركية بجعل جميع الصلاحيات والسلطات في يده فقط، مستغلًا الانقلاب التركي الفاشل الذي وقع في يوليو الماضي، والذي قام على إثره بتصفية حساباته مع خصومه ومعارضيه. وتسعد تركيا لإجراء استفتاء شعبي، خلال الفترة القليلة المقبلة، من شأنه أن يعزز صلاحيات رئيس الدولة، وأن يبقيه في الرئاسة حتى عام 2029، وبدأ أردوغان، قيادة حملة لجذب أصوات المؤيدين له مستخدمًا "فزاعة" الإرهاب الذي يهدد الدولة، بعد أن نجح في تمرير مشروع القانون في البرلمان التركي الذي صوت بالموافقة عليه في 21 يناير الماضي، حيث نال نص المشروع 339 صوتًا، أي أكثر بتسعة أصوات من غالبية الثلاثة أخماس الضرورية لإحالته للاستفتاء، ومن ثم أحاله البرلمان إلى الرئيس ليوافق عليه ويطرحه في استفتاء شعبي خلال 60 يوما اعتبارًا من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية، وإذا وافق على التعديلات الدستورية أكثر من 50% من الناخبين، ستصبح نافذة. التعديلات الدستورية الجديدة، في حال إقرارها، ستمنح الرئيس أردوغان، سلطة تعيين أو إقالة الوزراء، وحق التدخل في القضاء، الذي يتهمه أردوغان، بالخضوع لنفوذ رجل الدين وعدوه اللدود فتح الله جولن، كما يتيح له تقرير ما إن كان يتوجب فرض حالة الطوارئ أم لا، بينما سيلغي منصب رئيس الوزراء للمرة الأولى في تاريخ تركيا، الأمر الذي سيشكل سابقة جديدة منذ تأسيس مصطفى كمال أتاتورك، الجمهورية التركية العلمانية في 1923، فيما سيعين رئيس الوزراء الحالي بن على يلدريم، الذي سيفضي الدستور إلى إلغاء منصبه، نائبًا للرئيس في النظام الرئاسي الجديد. الرئيس التركي، حث شعبه، أمس الثلاثاء، على التصويت في استفتاء لصالح تعزيز سلطات الرئاسة، قائلًا إن الامتناع عن عمل ذلك سيشجع المتشددين على تقسيم الأمة، وأضاف أنه مازال يعكف على تقييم مشروع قانون برلماني بشأن تغييرات دستورية لإقامة نظام رئاسي تنفيذي في تركيا، مشيرًا إلى أنه سيقدم ردًا هذا الأسبوع، وتابع أردوغان: أعتقد أن شعبي لن يرسل أبدًا إشارة إيجابية إلى قنديل وإيمرالي، وأولئك الذين يرهبون البلد، في إشارة منه إلى جبال قنديل، في شمال العراق حيث توجد قواعد حزب العمال الكردستاني، وإلى سجن جزيرة إيمرالي، المحتجز فيه زعيم الحزب عبد الله أوجلان، منذ عام 1999. محاولات النظام التركي حشد التأييد لهذا الاستفتاء قبل إجرائه لم تكن جديدة، حيث اعتاد الحزب الحاكم على استخدام أي وسيلة مهما كانت للوصول إلى المناصب السياسية وجذب الناخبين المؤيدين له، وهو ما فعله النظام التركي هذه المرة أيضًا، حيث بادر باستغلال اللاجئين السوريين مثلما سبق أن استغلهم في مصالح سياسية وابتزاز دولي سابق لدول أوروبية، حيث تستضيف تركيا نحو 3.2 مليون لاجئ سورى يستغلهم النظام تارة في مصالحه السياسية والاقتصادية، وتارة أخرى في المتاجرة بقضية اللاجئين لكسب التأييد وابتزاز الدول المحيطة والمنظمات الحقوقية والمجتمع الدولي، فقد أكدت وسائل إعلام تركية أن نظام أردوغان، أقدم على تسجيل اللاجئين السوريين كناخبين في مدينة "باتمان" لاستغلالهم في الاستفتاء على تغيير نظام الحكم المقرر له أبريل القادم، وذلك بمعدل فردين يوميًا. وفي السياق، أطلق الحزب الحاكم، العدالة والتنمية، حملة لشرح التعديلات الدستورية من خلال اجتماعات موسعة فى المقر الرئيسي للحزب بالعاصمة أنقرة، مع أعضاء ورؤساء أفرع الحزب من مختلف المدن التركية قبيل الاستفتاء، ويشارك في هذه الاجتماعات رؤساء الحزب ورؤساء البلديات التابعة له، لمنحهم آلية كيفية شرح التعديلات الدستورية للمجتمع التركى، كما أكدت مصادر سياسية أنه سيتم تنظيم مهرجانات في مختلف المدن التركية، وسيشارك فيها الرئيس ورئيس الوزراء، لشرح وتوضيح التعديلات الدستورية وجذب الأصوات لتأييدها. من ناحية أخرى، يرى منتقدو التعديلات الدستورية أن هذه الخطوة يمكن أن تمهد لحكم استبدادي من قبل أردوغان، وقد ترقى إلى استيلائه على مقاليد الحكم، كما أن ما يسميها "إصلاحات دستورية" ستقضي على أي فرصة لتحقيق حياد منصب الرئيس، وهو ما قاله رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض، كمال كيليتشدار أوغلو، الذي أكد أنه حال تمرير النظام الرئاسي عبر الاستفتاء المزمع عقده في أبريل المقبل، فإن تركيا ستتحول إلى كوريا الشمالية، مشددًا على أن منح كل هذه الصلاحيات لشخص واحد سيزج بتركيا في مخاطرة، وأشار كيليتشدار إلى أن تمرير النظام الرئاسي سيقطع الرابط بين الشعب ونواب البرلمان، وسيتحول نائب البرلمان إلى نائب الرئيس، متسائلًا عن المشاكل التي سيحلها هذا التعديل الدستوري؟. وقال كيليتشدار: هل سيحل هذا القانون مشكلة الإرهاب؟ لا، لا توجد عبارة واحدة بهذا الصدد، هل سيحل مشكلة البطالة؟ لا، هل سيحافظ على قيمة الليرة التركية أمام العملات الأجنبية؟، لا، سيتحدث شخص واحد وسيسمع 80 مليون شخص، تمامًا مثلما يحدث في كوريا الشمالية، كيف يرى الغرب الوضع؟، لا توجد ديمقراطية في تركيا، والأرواح والممتلكات غير آمنة فيها، فلم يستثمر فيها؟، هل سيصلح علاقاتنا مع دول الجيران؟ لا، هل ستنخفض أسعار الأغذية؟ لا، هل سيتحقق استقرار اقتصادي؟ لا، هل سيصلح النظام التعليمي المتدهور؟ لا.